ما وراء تعزيز مكانة سلاح البحرية في «إسرائيل»
تدلل أولويات بناء القوة العسكرية في إسرائيل بوضوح على أن صناع القرار في تل أبيب يستثمرون الكثير من الموارد في تعزير مكانة ودور سلاح البحرية، كسلاح ينافس في أهميته سلاح الجو. فالحرص على شراء أحدث ما انتجته الصناعات العسكرية الألمانية من غواصات ومدمرات وفرقاطات، إلى جانب سفن دوريات، يدلل على التحول الذي طرأ على مكانة سلاح البحرية ودوره في الجهد الحربي الإسرائيلي.
وقد سمح الجدل الذي رافق قضية الفساد المعروفة بـ»القضية 3000»، والتي تتهم فيها النيابة العامة مقربين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالتربح من خلال التدخل في صفقات لشراء غواصات وفرقاطات ألمانية، بالكشف عن إجماع المستويين العسكري والسياسي في تل أبيب على أهمية الاستثمار في مواصلة تطوير سلاح البحرية وتوسيع مجالات توظيفه.
ويرجع تعاظم مكانة سلاح البحرية الإسرائيلية إلى زيادة التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل؛ إلى جانب تقدير محافل التقييم الإستراتيجي بأن مواجهة الكثير من هذه التحديات يتسنى بشكل أفضل من خلال توظيف سلاح البحرية. ولعل أهم العوامل التي أفضت تعاظم مكانة سلاح البحرية يتمثل في تعاظم اعتماد تل أبيب على هذا السلاح في تنفيذ إستراتيجيتها الهادفة إلى إحباط قدرة أعدائها على تعزيز قوتهم وقدراتهم العسكرية.
فعلى سبيل المثال، بواسطة سلاح البحرية، أقدمت إسرائيل منذ عقد من الزمان، على اعتراض الكثير من السفن التي زعمت أنها احتوت على سلاح ووسائل قتالية موجه لكل من حماس وإيران والسلطة الفلسطينية؛ حيث تم التعامل مع هذه السفن على بعد آلاف الأميال من الشواطئ «الإسرائيلية». إلى جانب ذلك، فإن سلاح البحرية يلعب دورا رئيسا في تمكين جيش الاحتلال من تنفيذ العمليات السرية في قلب دول «العدو»، حيث إن الوحدة الخاصة في الجهاز، المعروفة بـ «القوة 13» أو «الكوماندو البحري» تضطلع بكثير من العمليات السرية من خلال تنفيذ عمليات إنزال صامتة في كثير من الدول المستهدفة. في الوقت ذاته، فإن سلاح البحرية يلعب دورا رئيسا في جمع المعلومات الاستخبارية عن الدول والمنظمات التي توجد في حالة عداء مع إسرائيل.
فعلى سبيل المثال، كشف تحقيق نشرته صحيفة «معاريف» قبل عام أن جيش الاحتلال يعتمد على الغواصات في جمع المعلومات الاستخبارية عن قدرات حزب الله القتالية ومواقعه، حيث أشار إلى أن الغواصات المزودة بأجهزة استشعار ومنظومات تصوير دقيقة تقوم بالتجسس على هذه المواقع، ولا سيما تلك القريبة من الساحل. وحسب المحافل العسكرية الإسرائيلية، فإن أهم مزايا الغواصات في جمع المعلومات الاستخبارية حقيقة أنها تضمن التسلل للمياه الإقليمية لـ»العدو» في ظل سرية تامة، دون أن يتمكن أحد من تحديد مكانها أو الشعور بوجودها.
إلى جانب ذلك، فإن اكتشاف احتياطات الغاز مثل عاملا آخر أسهم في دفع إسرائيل لتعزيز سلاح البحرية. فاكتشاف حقوق الغاز في مناطق متباعدة أملى على صناع القرار في تل أبيب العمل على تأمين المياه الاقتصادية الإسرائيلية والتي تبلغ مساحتها ضعف مساحة فلسطين.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تشتري في أوقات متقاربة سفن دورية وسفن صواريخ لتأمين هذه الحقول، إلا أن صناع القرار في تل أبيب يتجهون إلى زيادة أسطول إسرائيل من هذه السفن، ولا سيما بعد أن تحول بعض هذه الحقول إلى الإنتاج. ولا يقتصر تعزيز مكانة سلاح البحرية فقط في اقتناء الغواصات والفرقاطات والمدمرات وسفن الدورية، بل يتعداه إلى تطوير منظومات دفاعية لتأمين قطع البحرية الإسرائيلية، ولا سيما العاملة في مجال تأمين المياهة الاقتصادية، ولا سيما منظومة «براك 8» التي تعد أحده ما انتجته الصناعات العسكرية لتأمين السفن. إلى جانب ذلك، فإن سلاح البحرية الإسرائيلي ينفذ مناورات بحرية مع الأسطول السادس الأمريكي، إلى جانب مشاركته في بعض المناورات التي ينفذها حلف الناتو.
المصدر: السبيل