المصافحة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي على هامش فعاليات إفتتاح مونديال قطر 2022 في ملعب “البيت” بمنطقة الخور، الأحد الماضي، شرّعت الباب واسعاً أمام طرح أسئلة في تركيا، عن موعد المصافحة بين أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد.
من الآن وحتى حزيران/يونيو 2023، تطورات كثيرة يمكن أن تطرأ وتقلب الكثير من الموازين وتفرض معادلات جديدة. والأنظار تبقى مشدودة إلى الإحتجاجات داخل إيران ومفاعيلها الداخلية والإقليمية، والعين لا تغفل عن الحرب الروسية-الأوكرانية والتوازنات التي يمكن أن ترسيها من الآن وحتى الربيع المقبل
****
بقلم: سميح صعب
ولأن الأجواء في الشرق الأوسط ليست كلها مونديالية، كانت المقاتلات التركية تشن في اليوم ذاته أوسع غارات منذ سنوات على أهداف في شمال سوريا والعراق، رداً على تفجير إسطنبول في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، الذي إتهمت أنقرة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية بالوقوف وراءه، مع أن التنظيمين نفيا تورطهما.
إنفجار إسطنول أحيا التهديد التركي بتوسيع الشريط الحدودي الذي تقيمه القوات التركية في شمال سوريا إلى عمق 30 كيلومتراً، على رغم تجديد واشنطن وموسكو التحذير من التبعات التي ستنجم عن خطوة عسكرية بهذا الحجم، مع إبداء الجانبين “تفهماً” لهواجس تركيا الأمنية.
إلا أن الواقع يشير إلى أن أردوغان قد لا يتجاوب هذه المرة مع التحذيرات الأميركية والروسية، لأسباب عدة، منها ما يتعلق بعوامل تركية داخلية ومنها ما له صلة بمحدودية الضغوط التي يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكل منهما على طرفي نقيض، ممارستها على أنقرة كي تعدل عن تنفيذ توغل بري جديد في الأراضي السورية.
في العوامل الداخلية، سبق لأردوغان أن ربط بين إعادة توطين مليون لاجيء سوري وإنشاء “المنطقة الأمنية” من الشرق إلى الغرب على طول الحدود السورية ـ التركية. واللاجئون السوريون في تركيا الذين يفوق تعدادهم 3.5 ملايين نسمة، هم ورقة ضغط تستخدمها المعارضة التركية بوجه أردوغان. ومع إرتفاع التضخم إلى مستويات قياسية في البلاد وتدهور قيمة الليرة التركية في مقابل الدولار، يتصاعد التذمر الشعبي التركي من إرتدادات ملف اللاجئين السوريين على الأراضي التركية.
وفي السباق إلى الإنتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو المقبل، يريد أردوغان سحب ورقة ضغط مهمة من يد المعارضة التركية. و”المنطقة الأمنية” المزمعة، تقضي على كيان “الإدارة الذاتية” الذي أنشأه الأكراد السوريون في سنوات الحرب الأهلية في الشمال ويفصل التواصل بين المناطق الكردية.
وهذا هدف إستراتيجي يسعى إليه أردوغان، ولذلك يُشدّد على الربط بين وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني. ويراهن أردوغان على أن رياح الظروف الإقليمية والدولية مواتية له لتنفيذ خطته. فمن جهة، لن يجازف بايدن في إغضاب أنقرة إلى حدود تتهدد معها عملية ضم فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي.
ووحدهما البرلمانان التركي والمجري من بين 30 دولة أطلسية، لم يصادقا بعد على الضم. والفيتو التركي من شأنه تعطيل العملية برمتها، ومنح هدية سياسية لا تقدر بثمن لروسيا. لذلك، على إدارة جو بايدن المفاضلة بين إلتزام الدفاع عن “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) أو غض النظر عن الخطوات العسكرية المقبلة في سوريا.
ومن جهة ثانية، يدرك أردوغان أن النفوذ الروسي في سوريا بعد الحرب في أوكرانيا، غيره في مرحلة ما قبل الحرب. موسكو سحبت جزءاً لا يستهان به من قواتها وأيضاً من عتادها الذي كانت قد نشرته في سوريا منذ خريف العام 2015، تاريخ التدخل الروسي في الأزمة السورية. أضف إلى ذلك، أن بوتين في حاجة إلى تركيا كمتنفس من العقوبات الغربية على روسيا.
كما يحتاج الكرملين إلى صوت داخل حلف شمال الأطلسي لا يتوافق تماماً مع السياسات العدائية حيال موسكو. ويخطط بوتين مثلاً لجعل تركيا “منصة للغاز” الروسي المنطلق نحو أوروبا، بديلاً من ألمانيا. وأهدى بوتين إتفاق الحبوب إلى الرئيس التركي وعزز موقعه كلاعب إقليمي رئيسي. وفي الوقت ذاته، سعى بوتين إلى إنتزاع موافقة أردوغان على المصالحة مع سوريا، على إعتبار أن مثل هذه المصالحة يمكن أن تكون منطلقاً للبدء بالعد العكسي لنهاية الحرب السورية.
وهذه النقطة بالتحديد تقود إلى سؤال مركزي: هل يتعمد أردوغان إستخدام العملية العسكرية التركية أيضاً، كإختبار لموسكو ودمشق معاً حيال المصالحة الموعودة؟ بكلام آخر، هل أن الرئيس التركي يربط بين توسيع “المنطقة الأمنية” والمضي في مسار المصالحة مع سوريا؟ ثم أنه يراهن على أن دمشق هي الأخرى تريد تجنب قيام كيان كردي في شمال سوريا، وتالياً ليس من مصلحتها الوقوف إلى جانب الأكراد، علماً أن الحكومة السورية تعتبر التوغلات التركية منذ سنوات إحتلالاً.
ومع ذلك، فإن دمشق عارضت دوماً مطلب الأكراد بمنحهم حكماً ذاتياً في سياق أي حل نهائي للأزمة السورية. وهذا كان من الأسباب التي جعلت الوساطة الروسية مع الأكراد تصل إلى طريق مسدود. زدْ على ذلك الإستهداف العسكري الإيراني بالمُسيرات والصواريخ لمواقع جماعات كردية إيرانية معارضة في إقليم كردستان العراقي، وما يطرح ذلك من أسئلة حول الملف الكردي.
ولا بد من إمعان النظر والتوقف ملياً عند إجابة الرئيس التركي على سؤال لأحد الصحافيين في الطائرة التي أقلته في طريق العودة من الدوحة إلى أنقرة عن الموعد المحتمل للمصالحة التركية ـ السورية، إذ قال إن إعادة تقويم العلاقات مع دمشق “يمكن أن تحصل بعد الإنتخابات (التركية) في حزيران/يونيو” المقبل. ويفترض هذا، أن مسار المصالحة مع سوريا، أعقد بكثير من قوس المصالحات التي أقامها أردوغان حتى الآن مع دول الخليج إلى إسرائيل أو تلك التي يعتزم الشروع بها مع مصر، بعد مصافحة الدوحة، فضلاً عن إتخاذ خطوات للتطبيع مع أرمينيا.
التطبيع التركي مع سوريا، قد يكون أكثر أهمية من قرار بإعادة دمشق إلى عضوية جامعة الدول العربية، ومع ذلك، فإن هكذا قرار لم يصدر بسبب المعارضة الأميركية، فهل تقف أميركا موقفاً محايداً من تطبيع تركي- سوري، يمكن أن يمثل إنفراجاً سياسياً وإقتصادياً لسوريا الخاضعة لعقوبات أميركية حازمة منذ حوالي العقد من الزمن؟ من الآن وحتى حزيران/يونيو 2023، تطورات كثيرة يمكن أن تطرأ وتقلب الكثير من الموازين وتفرض معادلات جديدة. والأنظار تبقى مشدودة إلى الإحتجاجات داخل إيران ومفاعيلها الداخلية والإقليمية، والعين لا تغفل عن الحرب الروسية-الأوكرانية والتوازنات التي يمكن أن ترسيها من الآن وحتى الربيع المقبل.
*سميح صعب: كاتب صحفي لبناني
المصدر: 180 بوست
موضوعات تهمك: