برهنت تجارب النكسات المتعاقبة على عقم خيار العنف وأخطاره الجسيمة وعواقبه السيئة على نضالات الشعب الكردي من أجل نيل حقوقه المشروعة.
تركيا لا تحتاج لتلفيق عمل إرهابي بقلب إسطنبول كذريعة لشنّ الغارات على شمال سوريا والعراق وعملية «المخلب ـ السيف» جولة جديدة بمسلسل متعاقب.
حزب العمال الكردستاني مسؤول أيضاً عن عشرات القتلى في صفوف مقاتليه وأنصاره ومدنيين نتيجة غارات الطائرات والمسيرات التركية على قواعده شمال العراق وسوريا.
الإرهاب لا يخدم القضية الكردية بل يزوّد غلاة الأحزاب القومية بذرائع للتضييق على الأكراد واستثمار مشاعر التعصّب وتوظيفها سياسيا، ومسؤولية القوى الكردية مركزية وحاسمة.
****
إذا كان حزب العمال الكردستاني، حسب الاتهامات الرسمية التي صدرت عن السلطات التركية، هو المسؤول عن التفجير الإرهابي الذي استهدف قلب مدينة إسطنبول وأوقع ستة قتلى وعشرات الجرحى، فإنه مسؤول أيضاً عن عشرات القتلى في صفوف مقاتليه وأنصاره وبعض المدنيين أيضاً نتيجة غارات الطائرات والمسيرات التركية على قواعده في شمال العراق، وعلى مواقع قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية التابعة أو الحليفة في شمال سوريا.
وإذا لم يكن الحزب مسؤولاً عن التخطيط للتفجير في شارع الاستقلال في اسطنبول والإشراف على تنفيذه، كما أعلن، فإنّ تاريخ العلاقة الشائكة مع الحكومات التركية المتعاقبة لا يخلو من عمليات سابقة دامية اتُهم فيها الحزب أيضاً وأريقت خلالها دماء المئات من المواطنين الأتراك الأبرياء، وتسببت بالتالي في مزيد من إجراءات القصاص التي اتخذتها أنقرة بحق مواطنيهيا الأكراد أنفسهم.
ومن حيث المبدأ فإن عقيدة حزب العمال الكردستاني لا تقرّ فقط استخدام العنف على نحو علني بوصفه خياراً كفاحياً شرعياً يبيح مختلف الوسائل والطرائق على أرض تركيا أو إيران أو سوريا، بل حدث مراراً ويحدث الآن أيضاً أن الجماهير الكردية ذاتها ليست مستثناة من الممارسات العنفية.
وهذا ما شهدته مناطق واسعة في سوريا هيمنت عليها أذرع الحزب المختلفة، وعلى رأسها حزب الاتحاد الديمقراطي. وعلى امتداد عقود طويلة برهنت تجارب النكسات المتعاقبة على عقم هذا الخيار وأخطاره الجسيمة وعواقبه السيئة على نضالات الشعب الكردي من أجل نيل حقوقه المشروعة.
وفي سنة 2015 كان حزب الشعوب الديمقراطي، الأبرز في تمثيل أكراد تركيا، قد جنح إلى العمل السياسي السلمي وخاض انتخابات ذلك العام فحقق نصراً صريحاً وأوصل 80 نائباً إلى البرلمان التركي، وكانت النتيجة الطبيعية التالية هي التوصل إلى صيغة غير معلنة من وقف إطلاق النار مع الجيش التركي.
صحيح أن 35 سنة من العداء المستحكم بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني تكفلت بإفساد تلك الهدنة، وتولت الأحزاب القومية التركية صبّ الزيت على نيرانها المشتعلة أصلاً.
إلا أن الصحيح في المقابل هو انفتاح زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش على الأجنحة المتشددة في قيادات حزب العمال الكردستاني، ومن المؤسف أنه اليوم يقبع في السجن دون محاكمة وبتهمة التعاطي مع الإرهاب.
وفي الجانب السوري يخضع صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي، لملاحقة من جانب الإنتربول بموجب «نشرة حمراء» طلبتها الحكومة التركية، وسبق أن تمّ توقيفه في براغ قبل أن تطلق السلطات التشيكية سراحه.
وعلى نقيض ما يُقال فإن تركيا ليست بحاجة إلى تلفيق عملية إرهابية في قلب إسطنبول كي تعتمدها ذريعة لشنّ الغارات على شمال سوريا والعراق، وعملية «المخلب ـ السيف» ليست سوى جولة جديدة في مسلسل متعاقب.
الإرهاب لا يخدم القضية الكردية بقدر ما يزوّد غلاة الأحزاب القومية المتشددة بذرائع إضافية للتضييق أكثر على الأكراد من جهة أولى، واستثمار مشاعر التعصّب وتوظيفها سياسياً من جهة ثانية، ومسؤولية القوى الكردية مركزية في الحالتين وحاسمة أيضاً.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: