أقر ماكرون بأن اللغة الفرنسية تتراجع في المغرب العربي لصالح لغة أخرى، لم يسمّها حتى، ولكنه لا يقول لماذا؟
يتساءل “فرنكوفونيون” كثر لماذا تصرّ فرنسا على أن تعلمنا اللغة الفرنسية؟ وماذا نستفيد اليوم من هذه اللغة ومن هذا الانتماء؟
تريد شعوب المستعمرات القديمة أجنحة جديدة لتحلق في سماوات مختلفة، وهو ما قد يضرب الفضاء الفرنكوفوني كفضاء حضاري واقتصادي.
اللغة هي التي تشتري البسكوتة والشوكولاتة والدبابة والطائرة، وتكرّس هيمنة المستعمر الثقافية والاقتصادية بعد العسكرية، وتضمن ولاء وتبعية مع الزمن.
فرنسا المتمسكة بتعليمنا لغتها، هي فرنسا التي ترفض منحنا تأشيرة دخول أراضيها، وتطردنا إذا دخلنا، ويتبارز قادتها في الانتخابات من يكرهنا ويهيننا أكثر.
****
انتهت، يوم الأحد، في جزيرة جربة التونسية، القمّة 18 للمنظمة الدولية للفرنكوفونية في جزئها السياسي، لتنطلق يوم الاثنين اللقاءات الاقتصادية. ويمكن أن يتساءل “فرنكوفونيون” كثر لماذا تصرّ فرنسا على أن تعلمنا اللغة الفرنسية؟ وماذا نستفيد اليوم من هذه اللغة ومن هذا الانتماء؟
وللإشارة، فقد تم مساء السبت توقيع وثيقة إعلان تعاون بين الحكومة التونسية ممثلة في وزير التّربية فتحي السلاوتي والحكومة الفرنسية ممثلة في وزيرة الخارجية كاترين كولونا وسفير الاتحاد الأوروبي ماركيس كورنارو، حول تنفيذ برنامج دعم المكتسبات اللغوية للتلاميذ.
وهو ما يعكس هذا الحرص الفرنسي والأوروبي عموماً على تكريس لغة كل مستعمر في مستعمراته القديمة، لأن اللغة هي التي تشتري البسكوتة والشوكولاتة وصولاً إلى الدبابة والطائرة، وهي التي تكرّس وتوطد هيمنة المستعمر الثقافية والاقتصادية بعد أن كانت عسكرية، وتضمن ولاء وربما تبعية لا تنتهي مع الزمن.
الغريب هو أن فرنسا التي تتمسك بتعليمنا لغتها، هي نفسها فرنسا التي ترفض منحنا تأشيرة دخول إلى أراضيها، وتطردنا إذا دخلنا، ويحوّلنا قادتها إلى موضوع معركة انتخابية يتبارزون فيها من يكرهنا ويهيننا أكثر.
وربما سيكون على النُخب الفرنسية أن تحل مشكلتها وأن تحدد ماذا تريد بوضوح، ولكنه يتعين أيضاً على نُخَبنا نحن أن تفك هذا الارتباط اللغوي العاطفي المُخدِر وتحوله إلى علاقة نفعية مباشرة واضحة تتخلص فيها من عقد قديمة عن “فرنسا الأم” الراعية، والقِبلة التي ترحل إليها كل النصوص والأفكار.
فرنسا تفتح الباب أمام مهندسينا وأطبائنا بعد جهد سنوات من تعليمهم في بلدانهم التي أنفقت عليهم الغالي والنفيس، ولكنها تطرد كل الآخرين، وفرنسا تنافق عندما يتعلق الأمر بممارسة ديمقراطية تتأصل شيئاً فشيئاً وتدعم الارتداد عليها سراً، وجهراً أحياناً، ثم تطلب دون تردد ألا نفكر في قِبْلة غيرها.
لكل هذه الأسباب تتراجع اللغة الفرنسية في كثير من المواقع، تريد شعوب المستعمرات القديمة أجنحة جديدة لتحلق في سماءات مختلفة، وهو ما قد يضرب الفضاء الفرنكوفوني كفضاء حضاري واقتصادي بالخصوص.
ولذلك، قالت الأمينة العامة للمنظمة، لويز موشيكيوابو، إنّ تأثير المنظّمة في العالم في الوقت الحاضر محدود جدا، مشددة في كلمة خلال افتتاح القمة على “ضرورة منحها آليات عمل تجعل منها أكثر فاعلية وتعطيها مشروعية أكبر في عالم متعدّد الأقطاب…”.
ويقرّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أيضاً في تصريح للصحافيين، يوم السبت الماضي، بأن اللغة الفرنسية تتراجع في منطقة المغرب العربي لصالح لغة أخرى، لم يسمّها حتى، ولكنه لا يقول لماذا؟
وهو بالتأكيد يعرف الإجابة العميقة، ولكنه سيكتفي كالعادة بحلول ترقيعية ظرفية لا تتجاوز هذا النفاق اللغوي، بما يحوّل هذه الفرنكوفونية إلى مجرد وسيلة انتهازية.
*وليد التليلي كاتب صحفي تونسي
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: