الأمن الغذائي لم يعد رفاهية، بل جزء أصيل من الأمن القومي لأي دولة.
السعودية لديها أكبر صندوق سيادي في المنطقة بحجم أصول 620 مليار دولار.
يتساءل كثيرون عن أسباب غياب خطة الأمن الغذائي في دولة بحجم وقدرات السعودية المالية والزراعية.
السعودية تتوافر لديها كل مقومات تحقيق الأمن الغذائي، والاكتفاء الذاتي من القمح والحبوب، والاستغناء عن الكثير من واردات الأغذية.
المملكة لديها سيولة نقدية واحتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي تجاوزت 1.756 تريليون ريال، أي ما يعادل 467 مليار دولار بنهاية أغسطس الماضي، ومرشح للزيادة.
* * *
بقلم: مصطفى عبد السلام
تستطيع السعودية، لو أرادات، تحقيق الأمن الغذائي لاقتصادها وأسواقها ومواطنيها، والتوقف عن تأمين غذائها من الخارج واستيراد نحو 4 ملايين طن من القمح سنويا.
فالسعودية تتوافر لديها كل مقومات تحقيق الأمن الغذائي، والاكتفاء الذاتي من القمح والحبوب، والاستغناء عن الكثير من واردات الأغذية، وتفادي التعرض لتقلبات سوق الحبوب العالمية والتي زادت حدتها عقب اندلاع حرب أوكرانيا، وتجنب اشتعال موجة تضخم واسعة لأسعار الغذاء والطاقة، زادت حدتها عقب منع القوات الروسية صادرات القمح الأوكراني في الفترة من مارس/آذار وحتى بداية يوليو/تموز الماضيين، وتوقف دول منتجة للغذاء عن تصدير القمح والسكر والذرة والزيوت حماية لأسواقها المحلية.
المملكة لديها سيولة نقدية قلما تتوفر لدى أي دولة في المنطقة، لديها احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي تجاوزت قيمتها نحو 1.756 تريليون ريال، أي ما يعادل 467 مليار دولار، بنهاية شهر أغسطس/آب الماضي، وهذا الاحتياطي مرشح للزيادة السريعة في الفترة المقبلة مع قفزات أسعار النفط والغاز، والسعودية هي أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك وصدرت نحو 7.6 ملايين برميل يوميا، وهو ما يعني تدفق أكثر من نصف مليار دولار على خزانتها العامة مع طلعة كل شمس.
والسعودية لديها أكبر صندوق سيادي في المنطقة بحجم أصول 620 مليار دولار، ولديها مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والخصبة التي يمكن الاستفادة منها في زراعة ملايين الأفدنة، ولديها مناطق صالحة للزراعة في تبوك والجوف والجنوب وجازان وعسير والطائف والقصيم والخرج والمدينة المنورة وغيرها، ولديها عمالة رخيصة سواء المحلية أو الوافدة من دول لديها خبرة كبيرة في الزراعة مثل العمالة المصرية والسودانية والأردنية والمغربية.
والسعودية لديها تجربة في محاولة الاكتفاء الذاتي من القمح، صحيح أن التجربة لم يكتب لها النجاح وكانت مكلفة جدا لأسباب تتعلق بالإدارة والتكلفة المرتفعة وأحيانا الفساد، لكنها محاولة جديرة بالدراسة، ويمكن تكرارها بصور وأساليب أخرى.
وخاصة أن الدولة تعمل بالفعل على سياسة تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتصدير القمح والتمور ومنتجات الألبان والبيض والأسماك والدواجن والفواكه والخضروات والزهور إلى الأسواق في جميع أنحاء العالم.
لكن وبدلا من تحقيق هذا الهدف الحيوي وهو الأمن الغذائي، تشير تقديرات وزارة الزراعة الأميركية، الصادرة في 2021، إلى أن السعودية تأتي في المركز الـ18 بين كبار مستوري القمح عالميا بنحو 3.5 ملايين طن سنويا. وهذه الأرقام كررها موقع World’s Top Exports.
ويوم الاثنين الماضي أعلنت المؤسسة العامة للحبوب في السعودية إنها اشترت أكثر من 1.009 مليون طن من القمح في مناقصة دولية للشحن في الفترة من إبريل نيسان إلى يونيو/حزيران 2023 بمتوسط سعر 382.56 دولاراً للطن. ويوم 24 أكتوبر/تشرين الأول، اشترت المؤسسة 566 ألف طن من قمح الطحين الصلد للوصول في الفترة بين مارس/آذار وإبريل/نيسان.
ومع تدفق تلك الشحنات الضخمة على صوامع ومطاحن ومخازن وأفران السعودية يتساءل كثيرون عن أسباب غياب خطة الأمن الغذائي في دولة بحجم وقدرات السعودية المالية والزراعية.
وإذا كانت التجربة السابقة واجهت مشاكل منها زيادة تكلفة الزراعة وندرة المياه الجوفية فإن السعودية تستطيع استغلال الفوائض المالية المتوفرة لديها لاستئجار المزيد من ملايين الأفدنة الزراعية في دول مثل السودان وإثيوبيا والجزائر والصومال وغيرها من الدول الأفريقية والأوروبية وزراعتها بالحبوب بحيث تحقق الاكتفاء الذاتي، بدلا من تخصيص مليارات الدولارات سنويا لاستيراد القمح والذرة وغيرهما من الحبوب من مناشئ ودول عدة.
الأمن الغذائي لم يعد رفاهية، بل جزء أصيل من الأمن القومي لأي دولة، وحق أصيل من حقوق الإنسان، وقد كشفت حرب أوكرانيا أن أمن الغذاء والطاقة لا غنى عنهما للدول، ولو أن هذه الحرب حدثت في وقت تشهد فيه أسعار النفط تراجعا حادا كما حدث في بعض السنوات الأخيرة مثل 2014، 2020، لرأينا قفزات في أسعار السلع الغذائية داخل المملكة، وتخلي الدولة عن بعض أنواع الدعم المقدمة للموطن، وفرض أنواع جديدة من الضرائب والرسوم والإسراع في بيع الشركات العامة.
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: