ما يزيد الطين بلّة دخول حسابات فئوية وطائفية سياسية في تعيينات وزارة التربية وهياكلها العامة.
فقد العراق الميزة التي طالما تمتع بها على صعيد استيعاب أبنائه في مدارس توفر مستوى تعليمي لائق.
في غياب خطة فاعلة لحل الأزمة، تتراكم خسائر القطاعين العام والخاص، ما يحتم دخول أبناء الرافدين والنخيل رحلة عذاب لا مخرج منها حالياً.
انهار التعليم العام بالمناطق الحضرية والريفية ولم يستعد مقوماته الأساسية وبدت البلاد نتيجة التدمير الذي أصاب المدارس بحاجة لإعادة إعمار شاملة.
العراق لم يجد طريقاً لاستعادة الأموال المنهوبة من قطاع التربية أو سواه، علماً أن الديون الخارجية تستنزف جزءاً رئيساً من عائداته النفطية وغيرها.
قطاع التعليم العام الذي هيمن على المشهد، ونشر مدارسه بأنحاء العراق خرج نتيجة الحروب مهشم الدور والموارد ولم تنجح السياسات المعتمدة باستنقاذه.
* * *
بقلم: د. زهير هواري
في وقت يتعذر فيه تناول أوضاع كل دولة عربية بمفردها، نظراً إلى تباين الظروف الخاصة، واختلاف ظروف التعليم الرسمي والخاص والأكاديمي والمهني، وكذلك بين المدن والأرياف، والفئات الاجتماعية بطبيعة الحال.
نكتفي بمقاربة ما آلت إليه أحوال كل من العراق ولبنان وفلسطين إزاء جائحة كورونا والأزمات المتداخلة التي تعانيها المجتمعات الثلاثة، علماً أن مهمة بحث شاملة وتفصيلية من هذا النوع يجب أن تتولاها هيئات جامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، وجهات أخرى تملك معطيات من جهة، ومن جهة أخرى الإمكانات البشرية والمادية لإجراء البحوث.
على صعيد التعليم العام في العراق، وعطفاً على ما حصده خلال الحروب المتلاحقة بدءاً بالحرب مع إيران، وغزو الكويت وتحريرها ثم حصار البلاد، وبعدها الاحتلال الأميركي ومحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، وصولاً إلى أحوال التوازنات السياسية والاجتماعية والطائفية القائمة حالياً، فقد ورثت كلها البلاد تعليماً مفككاً.
والقطاع العام الذي هيمن على المشهد، ونشر مدارسه في أنحاء المحافظات العراقية كاملة، خرج نتيجة المسلسل السابق مهشماً على صعد الدور والموارد البشرية والمادية، وهو ما لم تنجح السياسات المعتمدة في إعادة الاعتبار إليه.
وهكذا انهار هذا القطاع في العديد من المناطق الحضرية والريفية، ولم يستعد مقوماته الأساسية السابقة. وبدت البلاد نتيجة التدمير الذي أصاب المدارس والثانويات في حاجة إلى إعادة إعمار شاملة، لكن الموازنات التي رصدت لوزارة التعليم لم تترك الآثار المطلوبة على صعيد النهوض واستعادة الدور المفقود، إذ تبخرت مليارات الدنانير، وضاعت جرّاء منظومات الفساد المحمية خارجياً وداخلياً على حد سواء.
وهكذا خيّم الخراب، ثم فعل النزوح واللجوء على حد سواء فعله في الجهازين الإداري والتعليمي، وساهم في هجرة الكفاءات. ومع الأزمة الاقتصادية والمعيشية وتدهور وضع العاملين باطراد، لم تعد مهنة التعليم تجذب إليها ذوي الكفاءات والمؤهلين من خريجي كليات التربية وحملة الشهادات العالية الذين باتوا يفضلون العمل لدى مؤسسات تضمن حصولهم على ترقيات أسرع، وعائدات وضمانات أكثر تأثيراً على حياتهم الاقتصادية والمعيشية كأفراد وأسر.
والمعروف أن العراق لم يجد طريقاً لاستعادة الأموال المنهوبة لا في هذا القطاع أو سواه، علماً أن الديون الخارجية تستنزف جزءاً رئيساً من عائداته النفطية وغيرها. وما يزيد الطين بلّة دخول حسابات فئوية وطائفية سياسية في تعيينات الوزارة وهياكلها العامة.
وهكذا تهاوى دور القطاع العام، أما القطاع الخاص رغم بعض الاستثناءات المحدودة والمتناثرة، فلم يستطع سد الفراغ الذي أحدثه وضع القطاع العام الكارثي، ففقد العراق الميزة التي طالما تمتع بها على صعيد استيعاب أبنائه في مدارس توفر مستوى تعليمي لائق.
ونضيف إلى العوامل التي أشرنا إليها، تأثيرات انتشار وباء كورونا، وإقفال المدارس أبوابها، ما منع تدريس التلاميذ مباشرة.
في غياب الخطة الفاعلة للخروج من الأزمة، يصبح المشهد واضحاً على صعيد تراكم الخسائر في القطاعين العام والخاص، ما يحتم دخول أبناء بلاد الرافدين والنخيل في رحلة عذاب لا مخرج منها حالياً.
*د. زهير هواري باحث وروائي وأستاذ جامعي لبناني
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: