انتخابات غير اعتيادية لناحية سيطرة المال على عملية الاختيار، حتى ولو كانت تأثيراته محدودة!
تقدم التسويق السلبي على الجدارة، في تحوّل يعزوه كثير من المتخوفين إلى ضمور الديمقراطية الأميركية، أقله في الزمن الراهن.
أنفق مرشحو الحزبين على الدعايات والحملات أكثر من 9 مليارات دولار في موسم انتخابي غير مسبوق للإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي.
هناك كبار الممولين، من بينهم 10 مليارديرات: 8 جمهوريين، وديمقراطيان، أحدهما جورج سوروس، المتبرع بـ 120 مليون دولار للحزب الديمقراطي.
سيتجاوز إجمالي كلفة الانتخابات 16 مليار دولار رجح فيه الإنفاق الجمهوري من التبرعات الفردية، وصناديق الحزبين، ولجان العمل السياسي العادية و”السوبر”،
* * *
بعد حملة انتخابية استمرّت حوالي 6 أشهر، وضربت الرقم القياسي بكلفتها وبعنف خطابها، يتجه الناخبون الأميركيون إلى صناديق الاقتراع يوم غد الثلاثاء، لاختيار ثلث مقاعد مجلس الشيوخ 34 مقعدًا (20 جمهورياً و14 ديمقراطياً)، وكامل أعضاء مجلس النواب الـ435، بالإضافة إلى مجالس النواب والشيوخ في الولايات، إلى جانب السلطات الحكومية المحلية، و36 حاكم ولاية.
بلغ التصويت المبكر حوالي 40 مليوناً، وتشير التقديرات إلى تصويت حوالي 100 مليون ناخب آخر أو أقل في يوم الاقتراع. مرشحو الحزبين أنفقوا على الدعايات وحملات الترويج ما يزيد عن 9 مليارات دولار. موسم انتخابي غير مسبوق للإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي.
خمس ولايات حاسمة في تقرير مصير الانتخابات (بنسلفانيا، وجورجيا، وأريزونا، ونيفادا وويسكونسن)، بلغت كلفة الحملات فيها أكثر من 1,8 مليار دولار.
جورجيا وحدها بلغت الحملة الدعائية لمقعد واحد فيها في مجلس الشيوخ حوالي ربع مليار دولار. وفي تقديرات مركز “أسرار مكشوفة” غير الربحي، أن الرقم الإجمالي للحملة سيتجاوز 16 مليار دولار، ترجح فيه كفة الإنفاق “الجمهوري”. تأتي هذه المبالغ من التبرعات الفردية، وصناديق الحزبين، ولجان العمل السياسية العادية و”السوبر”، ومن كبار الممولين، من بينهم 10 مليارديرات، 8 جمهوريين، وديمقراطيان، أحدهما جورج سورو، المتبرع بـ 120 مليون دولار لـ”الديمقراطي”.
يذكر أن التمويل الانتخابي صار بدون سقف بعد قرار المحكمة العليا في 2010 بعدم تقييد حرية المتبرع بحدود، على أساس أنها “حرية تعبير” يكفلها الدستور. ومنذ ذلك الحين، انفلت تمويل الانتخابات من عقاله. وفي هذه المرة، صار أقرب إلى اللامعقول، إذ بات أقرب إلى وسيلة “لغسل العقول”. طوفان الدعايات المؤيدة والمضادة للمرشحين ما عادت معنية بالمنافسة بقدر تركيزها على التنفير من الخصم.
معظم هذه الأرقام غير المسبوقة تُصرف في هذا الاتجاه للتأثير على شريحة من الأصوات معروفة باسم الأصوات “المتأرجحة” التي تتحكّم في ترجيح ميزان الانتخابات. هي عادة بيضة القبان، وقد احتفظت بنمط شبه ثابت لتصويتها، ومستمر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ما عدا مرتين، حيث اعتادت أن تعطي معظم أصواتها في الانتخابات النصفية لصالح مرشحي الحزب غير الموجود في البيت الأبيض، والمتوقع أن يتكرر هذه المرة أيضاً، خصوصاً بوجود حالة التضخم التي ساعدت في تآكل رصيد “الديمقراطي”، ناهيك عن تعثر رئاسة جو بايدن، وتأثيراتها السلبية على حملة حزبه.
حتى اللحظة، وقبل 24 ساعة من فتح أقلام الاقتراع، ما زالت الترجيحات تميل نحو الحزب الجمهوري ولو بقليل. الاستنفار الذي لجأ إليه “الديمقراطي” في الأيام الأخيرة بزج الرئيسين باراك أوباما وبيل كلينتون في مجرى الجولات الانتخابية، لا يبدو أنه ساعد في تغيير المعادلة. على العكس، عزز صورة التراجع لمرشحيه، والتي جاءت محاولات تعويمه متأخرة بقدر ما كانت متعثرة منذ البداية.
مع ذلك، ليس من المستبعد احتفاظ “الديمقراطي” بمجلس الشيوخ “لو خدمه الحظ”، وسارت الأمور كالمعتاد. لكن هذه الانتخابات التي تجري في ظل مناخات انتخابات 2020 وبنية تصفية حساباتها، هي غير اعتيادية بامتياز.
ومن هنا الحذر بخصوص نهاياتها الإجرائية التي تبقى مفتوحة على أكثر من احتمال. كلا الحزبين يخوض معركة كسر عظم، خصوصاً “الجمهوري”، وبالتحديد جناحه “الترامبي المتشدد”.
الرئيس السابق دونالد ترامب ناشط وبقوة في هذه الانتخابات، لدعم عدد كبير من مرشحيه في مجلسي الكونغرس. فهو بوابته للعودة إلى ساحة الترشيح للرئاسة في 2024، خصوصاً لو فاز الجمهوريون في مجلسي الكونغرس أو حتى في واحد منهما.
قبل 3 أيام، أسرّ الرئيس السابق إلى إحدى وسائل الإعلام بأنه يعتزم إعلان ترشيحه لانتخابات الرئاسة المقبلة يوم 14 الجاري. ثم عاد وألمح إلى نيته هذه، بل كاد أن يؤكدها في خطابه بمهرجان انتخابي لدعم أحد مرشحيه لمجلس الشيوخ.
بالإضافة إلى ذلك، تبقى هذه الانتخابات غير اعتيادية أيضاً لناحية سيطرة المال على عملية الاختيار، حتى ولو كانت تأثيراته محدودة، بحيث تقدم التسويق السلبي على الجدارة، في تحوّل يعزوه كثير من المتخوفين إلى ضمور الديمقراطية الأميركية، أقله في الزمن الراهن.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: