ما أسباب اهتمام الصين المتزايد بتشكيل تكتلات إقليمية يكون لها فيها دور قيادي؟
هل ضعف روسيا المتدرج هو في النهاية إضافة ملموسة إلى مكانة الصين؟
ضعف روسيا بالفعل إضافة للصين وقد تندم أمريكا وأوروبا مستقبلا إذا استمر تعمدهما إضعاف روسيا لمصلحة الصين دون قصد.
مسيرة الولاية الثالثة للرئيس شي لن تخلو من صعوبات ولأغلبها تأثير مباشر وغير مباشر في مستقبل الصين وآسيا خاصة، والعالم عامة.
تلعب أوبك+ دورا على الصعيد الدولي خاصة تصرفات فسّرها الإعلام في الغرب كتجربة تمرّد ناجحة على الهيمنة الغربية التي تمارسها أمريكا وأوروبا.
الوثائق والخطب الصادرة مؤخراً عن الصين وأمريكا اهتمت جميعها بشكل استثنائي بضرورة إنشاء، أو دعم منظمات أو تكتلات تهتم بالأمن الإقليمي.
تطورات دولية وإقليمية وداخلية وقعت خلال ولاية شي الثانية أثمرت تهديدات خيمت على أعمال مؤتمر الحزب الشيوعي من واجب الحزب مواجهتها والتخلص منها.
* * *
بقلم: جميل مطر
كانت الأيام الأخيرة فرصة لن تتكرر قريباً أمام قادة الصين للتفكير، ثم تدبير اتخاذ خطوات ملموسة نحو تدشين مرحلة جديدة للخروج، بالدولة والمجتمع، من حال إلى حال أفضل.
ولم يكن غائباً عن قادة الصين المجتمعين في قصر المؤتمرات ببكين حقيقة أن تطورات دولية وإقليمية وداخلية عدة، وقعت خلال الولاية الثانية للرئيس شي، بعضها أثمر تهديدات خيمت على أعمال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وأن من واجب الحزب الاستعداد لمواجهتها والتخلص منها، إن أمكن، قبل حلول موعد انعقاد المؤتمر الحادي والعشرين، بعد خمسة أعوام.
يجب أن نقر بداية، بأن مسيرة الولاية الثالثة للرئيس الصيني لن تخلو من الصعوبات، ولأغلبها تأثير مباشر، وغير مباشر، في مستقبل الصين، ولكن أيضاً في آسيا بخاصة، والعالم بعامة.
وورَد في التحليل الكمي لخطب قادة الصين، على سبيل المثال وليس الحصر، أن كلمة الأمن تكررت في تقرير الحزب الأخير 91 مرة، بينما وردت 35 مرة في خطاب التنحي للرئيس السابق في 2012، وأن كلمة عسكري ترددت 21 مرة في آخر تقرير للحزب.
بينما وردت أربع مرات فقط في خطاب الرئيس دينغ، قائد عملية الإصلاح والانفتاح في عام 1982، وأن كلمة النضال وردت في التقرير 22 مرة، بينما لم تأت في خطاب تنحّي الرئيس السابق سوى 5 مرات.
كذلك وردت كلمة الفساد 29 مرة في التقرير الأخير الذي أشرف على كتابته وإخراجه الرئيس الحالي، بينما لم تهتم به هذا الاهتمام التقارير السابقة التي صدرت، والخطب التي ألقيت منذ عهد مؤسس الدولة الحديثة الرئيس ماو.
وتصادف، أو لعله حدث عمداً، إصدار البيت الأبيض لوثيقة استراتيجية الأمن القومي مع إصدار الحزب الشيوعي الصيني تقريره النهائي الذي اهتم بشكل غير مألوف بقضايا الأمن القومي.
الوثيقتان، وبدقة أكبر، الوثائق والخطب الصادرة مؤخراً من الجانبين، الصيني والأمريكي، اهتمت جميعها بشكل استثنائي بضرورة إنشاء، أو دعم المنظمات المهتمة بالأمن الإقليمي.
ولم يعد خافياً أن أمريكا صارت تعتبر حلف الناتو بمثابة شبكة أحلاف إقليمية يديرها ويقودها حلف الناتو. ولم تعد خافية في الوقت نفسه، خطة الصين للعمل على توسيع عضوية مجموعة بريكس التي تضم إلى جانبها كلاً من: الصين وروسيا البرازيل والهند واتحاد جنوب إفريقيا.
وتسعى الصين، وروسيا أيضاً، نحو السعودية باعتبارها، حسب رأي الرئيس بوتين في خطابه أمام أعضاء مجموعة فالداي، قوة إقليمية صاعدة، ويتردد أيضاً اسم مصر، ودول أخرى تبحث لنفسها عن دور في مجموعة إقليمية فاعلة ومؤثرة.
أتصور أن أسباباً عدة تقف وراء اهتمام الصين المتزايد بتشكيل تكتلات إقليمية يكون للصين فيها دور قيادي.
أول هذه الأسباب، كما أتصور، هو الدفع القوي من جانب أمريكا تحديداً، لنقل تركيزها نحو آسيا، أو دعمه، إن وجد، إلى حدود قصوى. وأمريكا تتواجد بنفسها وبقواها الضاربة في مواقع معروفة كما في جزر المحيط الهادي، وموجودة بشكل غير مباشر في حلفين ابتكرتهما مؤخراً، أحدهما تقوده بالنيابة عنها أستراليا، وثانيهما تقوده اليابان على أمل أن تنشط الهند وتتولي القيادة. في الحالتين الهدف هو الصين.
ثاني الأسباب وراء الاهتمام الصيني الجديد، أو المتزايد بموضوع الأحلاف والتكتلات الإقليمية، سبب غير معلن ولا يناقش علناً في دوائر البحوث ومراكز العصف الفكري في الصين، ولكنه يناقش بكثرة في مواقع مغلقة. هذا السبب هو الأثر السلبي الذي خلّفته الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في منطقة وسط آسيا.
ففي رأي قطاع مهم من تلاميذ السياسة الدولية في الصين أن روسيا خسرت الرأي العام في معظم، أو كل دول ما يسمى بمجموعة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي المنظمة التي تضم في عضويتها الدول التي خضعت لقيادة موسكو في زمن الحرب الباردة، سواء بوجودها في الاتحاد السوفياتي، أو بتحالفها معه.
ويتحدثون في مؤتمرات الأكاديمية الصينية عن فشل روسيا في تسوية النزاعات الناشبة بين أعضاء في المنظمة، مثل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، ونزاعات، أو تطورات أخرى كامنة، أو ناشبة بين دول إسلامية في منطقة شمال وسط آسيا.
هذا الفشل الروسي في تحقيق، أو تعزيز أمن الإقليم يهدد مباشرة المصالح الحيوية الصينية، بخاصة مسألة الحماية الصينية لمشروعات الصين المشتركة مع دول الإقليم في مبادرة «الطريق والحزام».
بهذا المعني صار أمن المبادرة الصينية تحت عنوان «الحزام والطريق» سبباً ثالثاً يحثّ الصين على الاهتمام بصنع مشروع لأمن هذه المبادرة، يضم في عضويته المقترحة دولاً مثل نيبال وسريلانكا وباكستان والأرجنتين ومصر وإندونيسيا والسنغال وتايلاند.
جدير بالذكر أن الصين تتولى خلال العام الجاري، رئاسة مجموعة «بريكس»، وقد تعمد الرئيس الصيني في آخر اجتماع للمنظمة التأكيد على أنها منظمة غير مغلقة، بل مفتوحة.
ومن المهم ملاحظة، بل ومتابعة، التأثير الكبير للدور الذي صارت تلعبه منظمة «أوبك+» على الصعيد الدولي، وبخاصة تصرفات فسّرتها قطاعات إعلامية في الغرب بأنها تجربة تمرّد ناجحة على الهيمنة الغربية التي تمارسها أمريكا ودول أوروبية بعينها.
هل يعني ما سبق أن ضعف روسيا المتدرج هو في النهاية إضافة ملموسة إلى مكانة الصين؟ هو بالفعل إضافة، وقد تندم أمريكا وأوروبا في المستقبل، إذا استمرتا في تعمدهما إضعاف روسيا لمصلحة الصين من دون قصد.
السبب الرابع وراء اهتمام الصين بإقامة تكتل إقليمي والاعتماد على التحالفات الصغيرة، هو الحاجة إلى مصادر مستقرة للمواد الخام، خاصة أنها تستعد الآن لتجربة أخرى في سباق المنافسة مع الولايات المتحدة.
ومعروف أن أمريكا تنوى إطلاق ثورة صناعية رابعة تحدّ بها من اندفاعات الانحدار الذي شاب واقعها الاجتماعي والاستقطاب السياسي والركود الاقتصادي.
وأظن أنه لا يوجد في الصين من ينوي الانتظار قرناً، أو اثنين، قبل البدء باقتحام الحداثة بتقليد الثورة الصناعية الغربية الأولى.
*جميل مطر مفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق.
المصدر: الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: