تنظيم الدولة الفصيل الوحيد الذي ما زال يهاجم قوات النظام السوري وميليشيات موالية لإيران في البادية السورية حتى اليوم.
كل الأطراف تعتبر “تنظيم الدولة” صنيعة أعدائها دون قراءة موضوعية للسياق الممتد لسنوات من نزاع قائم بين التنظيم وحلفاء إيران في العراق.
المواجهة المذهبية العنيفة بين تنظيم الدولة وإيران لها امتداداتها القديمة خلال السنوات الأخيرة في العراق أساسا، كما تمكن التنظيم من تنفيذ عمليات داخل إيران، مخترقا القبضة الأمنية.
* * *
بقلم: وائل عصام
جاءت عملية تنظيم الدولة الوحشية باستهداف مدنيين أبرياء في مرقد ديني شيعي في شيراز، في وقت يمر فيه النظام الإيراني بوضع أمني مربك، جراء المظاهرات، حيث استغلت كل الأطراف المعادية له هذه الاحتجاجات، المعارضة العلمانية واليسارية التي ركزت تحركاتها على تحدي الرموز الدينية مثل، خلع الحجاب في الشوارع، المعارضة الكردية المسلحة، التي وجهت لها إيران ضربة صاروخية في معاقلها على الحدود العراقية، المعارضة الداخلية التي كان يقودها موسوي وخاتمي وجمهورهم الإسلامي.
لكن الحانق على الفقر والفساد وسوء الأحوال المعيشية، وكذلك القوى الغربية التي تحينت الفرصة لمزيد من الضغط على طهران، الخاضعة أصلا لعقوبات أمريكية خانقة.
ثم جاء التنظيم السلفي السني الذي يخوض معركة مع القوى الشيعية الحليفة لإيران في العراق منذ نحو عشرين عاما، والذي يكاد يكون الفصيل الوحيد الذي ما زال يهاجم قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لإيران في البادية السورية حتى اليوم.
والمواجهة بين تنظيم الدولة وإيران ذات الأساس المذهبي العنيف، لها امتداداتها القديمة خلال السنوات الأخيرة، وإن كانت ساحة النزاع الرئيسية هي العراق، إلا أن التنظيم تمكن من تنفيذ عدة عمليات داخل إيران، مخترقا القبضة الأمنية ومتجاوزا مشكلة ضآلة الحاضنة السنية في بلد أغلبيته شيعية، معتمدا على تجمعات السكان السنة في إيران، أو على حدودها، وبالذات الأكراد والبلوش.
فالأكراد على الحدود العراقية الإيرانية تحديدا، لديهم نفوذ قديم ومؤثر للتيار السلفي الجهادي يمتد لعهد تنظيم أنصار الإسلام الكردي بزعامة ملا كريكار، وحضور اجتماعي سلفي قوي في عدد من القرى المحاذية لإيران مثل، حلبجة وبيارا وطويلة التي كانت ملجأ للعناصر السلفية العراقية الهاربة من الأجهزة الامنية في عهد صدام حسين، أما البلوش فقد كونوا ميليشيات مسلحة سلفية مناوئة لطهران في مناطقهم الحدودية مع باكستان.
ومن المهم ان نعرف سياق هذا الهجوم، وهو الثالث في غضون السنوات الخمس الأخيرة، فقد بدأ التنظيم عملياته عام 2017، بالهجوم الشهير على البرلمان الإيراني وضريح الخميني وأدى لمقتل 15 شخصا حينها، وبعدها نفذ هجوما في الأحواز على الحرس الثوري، وخلال هذه السنوات شن التنظيم حربا دعائية مليئة بالتحريض الطائفي ضد الإيرانيين والمذهب الشيعي، هدد فيها باستهداف المزارات الشيعية المقدسة، فالهجوم على مرقد شيراز يأتي بعد تهديدات أطلقها التنظيم منذ سنوات، ومحاولات عديدة سابقة لتنفيذها، ففي تسجيل صوتي خرج الناطق الحسن المهاجر، في التسجيل الصوتي الذي نشرته مؤسسة الفرقان عام 2018، ليقول إن «هجوم الأحواز لن يكون الأخير».
وأضاف مهددا بالمزيد «لقد أثبت أبناء الخلافة الإسلامية مدى هشاشة وضعف أمن دولة المجوس إيران.. فهو أوهى من بيت العنكبوت، وإن القادم بإذن الله وقوته أدهى وأمرّ». وفي تسجيل آخر أكثر أهمية، باللغة الفارسية هذه المرة، أصدر التنظيم فيديو يتجاوز النصف ساعة بعنوان «بلاد فارس بين الماضي والحاضر»، متهما نظام طهران بـ»اضطهاد المسلمين السنة».
وخرج ثلاثة من أعضاء التنظيم هم، أبو الفاروق الفارسي، أبو مجاهد البلوشي، أبو سعد الأهوازي، هددوا فيه باللغة الفارسية بـ»مهاجمة الحوزات»، كما استعرض التنظيم كتيبة لاستهداف إيران سماها «كتائب سلمان الفارسي» أثناء تدريباتهم في محافظة ديالى شرق العراق، قبل أن يعرض مشاهد «ذبح» أربعة أعضاء من قوات بدر حسب قوله، على يد عناصر من التنظيم يتحدثون اللغة الإيرانية.
وبالفعل زادت محاولات التنظيم لاختراق الأراضي الإيرانية، وإن باء معظمها بالفشل، وأعلنت إيران في عدة مناسبات عن اعتقال خلايا وعناصر من التنظيم كانوا يعدون لهجوم على المزارات الشيعية، كالهجوم الأخير الذي تحقق، ففي عام 2017 اعتقلت إيران 7 من عناصر التنظيم، وبعدها بعام في 2018 اعتقل ثلاثة عناصر للتنظيم في منطقة «داراب» في محافظة فارس في إيران، كانوا يخططون للهجوم على الاحتفالات الدينية أيام تاسوعاء وعاشوراء، وفي يناير من عام 2018، وفي حدث يتعلق بالحالة الكردية السلفية، التي وفرت حاضنة للتنظيم والقاعدة من قبله، قتل ثلاثة من حرس الثورة الإيراني في منطقة حدودية مع كردستان العراق تدعى بامو، كانت تسمى تورا بورا لشدة تحصيناتها الجبلية في كردستان، وعثرت قوات الأمن على مخبأ أسلحة في منطقة ميروان في المنطقة الحدودية مع كردستان العراق، وهي التي تحدثنا عنها كمعقل قديم للجماعات السلفية السنية منذ عهد أنصار الإسلام.
وقبل شهرين فقط، أعلنت الاستخبارات الإيرانية أنها اشتبكت مع 10عناصر من تنظيم الدولة، وأصيب اثنان من الإيرانيين قبل اعتقال العناصر العشرة الذين كانوا ينوون تنفيذ هجمات خلال شهر محرم، حيث ذكرى عاشوراء، ولم تفوت وزارة الأمن الإيرانية الفرصة لاتهام إسرائيل بالوقوف وراءهم، رغم إقرارها بأنهم تكفيريون دخلوا من العراق وتركيا.
وهي اتهامات تذكرنا باتهامات المؤامرة التي تطل برأسها مع كل عملية لتنظيم الدولة من كل الأطراف المعادية له ومنها السنية، فقبل أن ينفذ عملياته ستجد مقولة «لماذا لا يهاجم تنظيم الدولة إيران»، وعندما ينفذ عملية تتحول التعليقات للتشكيك بالقول «هذه عملية من صنع النظام الإيراني لتشويه صورة المعارضة الإيرانية ووصفها بالإرهاب».
وهكذا فإن كل الأطراف تعتبر تنظيم الدولة صنيعة أعدائها، من دون أي إدراك لواقع الأحداث، أو قراءة موضوعية للسياق الممتد لسنوات من نزاع قائم بين تنظيم الدولة وحلفاء طهران في العراق.
*وائل عصام كاتب صحفي فلسطيني
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: