تتوقع وول ستريت جورنال أن تدخل الولايات المتحدة مرحلة الركود في الأشهر الـ12 القادمة، وتؤكد بلومبرغ «إن ذلك سيحدث بنسبة 100%».
الركود المتوقعَ سيطال اقتصادات العالم الكبرى بأمريكا والصين وأوروبا ويؤدي لتباطؤ عمليات الإنتاج واضطراب سلاسل الإمداد والتجارة.
يتوقع نقص السلع الضرورية كالمنتجات الصناعية والغذائية، مما سيرفع أسعارها بالأسواق الدولية، خاصة إذا تعقدت حرب أوكرانيا التي عرقلت سلاسل الإمداد.
* * *
لفترة طويلة نسبياً ظلت العديدُ من الدول والمنظمات الدولية تنفي إمكانيةَ حدوث الركود العالمي الشامل، إلا أن التصريح الأخير للرئيس الأميركي جو بايدن لشبكة «سي أن أن» قطع الشكَّ باليقين، إذ قال: «لا أعتقد أنه سيكون هناك ركود اقتصادي، وإذا حصل فسيكون ركوداً طفيفاً جداً.. هذا ممكن».
كما أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أنه «من المتوقع أن تدخل الولايات المتحدة مرحلة الركود في الأشهر الـ12 القادمة»، وهو ما أكدته أيضاً «بلومبيرغ» بالقول «إن ذلك سيحدث بنسبة 100%».
بدوره حذَّر البنك المركزي الأوروبي من ركود اقتصاد منطقة اليورو في عام 2023. وفي نفس اليوم من الأسبوع الماضي أكد صندوق النقد الدولي هذه الحقيقة من خلال القول بأنه من المرجح أن ينكمش ثلث الاقتصاد العالمي بحلول العام المقبل، مضيفاً أن نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيتباطأ بنسبة 2.7% عام 2023.
وماذا بعد؟ لقد اتضحت الرؤية وأضحى ما كان محلَّ شك أمراً حقيقياً ومعترفاً به، حتى ولو بصورة خجولة، مما يتطلب من كافة الدول والمؤسسات الاستعداد لمرحلة الركود العالمي المتوقع، علماً بأن ذلك سيترافق كما هو متوقع مع رفع أسعار الفائدة خلال هذا العام والعام المقبل لتصل إلى 5.6%، وهي نسبة كبيرة إذا ما قورنت بأسعار الفائدة قبل عام والتي لم تتجاوز 1%، مما سيؤدي إلى ركود تضخمي.
وهنا لا نريد التطرقَ للتأثيرات المتوقعة للركود على مختلف بلدان العالم، إذ لا تتحمل هذه المساحة مثل هذا التحليل، وسنكتفي اختصاراً بتحليل بعض التأثيرات على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي وهو موضوع بدوره يحتاج دراسةً متكاملة تأخذ بعين الاعتبار كافةَ التوقعات والاحتمالات. فالاستعداد لمثل هذا التغير في الاقتصاد العالمي سيترك آثاراً كبيرة، لكن يمكن تفادي بعضها.
في مقدمة تداعيات الركود القادم تلك التي ستطال أهمَّ مصدر للدخل في البلدان المنتجة للنفط، بما فيها دول التعاون، إذ أن الركود سيؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط، وبالتالي إمكانية انخفاض أسعاره، وهو ما يؤكد صحةَ القرار الأخير الذي اتخذته مجموعة «أوبك+» بخفض إنتاجها من النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، وهو أيضاً ما يتطلب الاهتمام بهذا الجانب في الاجتماعات الشهرية الدورية القادمة للمجموعة ومراقبة مستويات العرض والطلب واتخاذ القرارات المناسبة، مما سيحد من تراجع أسعار النفط ويحافظ على سعر عادل للبرميل.
وإذا ما تمكن أعضاء «أوبك+» من الاتفاق على إيجاد التناسب المطلوب بين مستويات العرض والطلب، فإن جزءاً كبيراً من هذه التداعيات المتوقعة يمكن تفاديها، مما يعني أن تماسك وتعاون الأعضاء في المجموعة سيعتبر حاسماً في المحافظة على التوازن في سوق النفط العالمي، وبالتالي على الأسعار الحالية.
وهناك جانب آخر لا يقل أهميةً يتعلق بأسعار الفائدة، إذ بما أن معدلات التضخم بدول مجلس التعاون أقل من مثيلاتها في الغرب، بما فيه الولايات المتحدة، فإن وضع الاقتصادات الخليجية لا يتطلب فنياً رفع معدلات الفائدة إلى مستويات عالية، لكن هذه الآلية غير متوفرة حالياً بسبب مجاراة البنوك المركزية الخليجية لأسعار الفائدة في بنك الاحتياط الفيدرالي، وهذه مسألة يصعب حلها في الوقت الحاضر، وهو ما يمكن أن يؤثر على معدلات النمو في دول مجلس التعاون.
وبما أن الركود المتوقعَ سيطال الاقتصادات العالمية الكبرى، كأمريكا والصين والاتحاد الأوروبي، فقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ العمليات الإنتاجية هناك، وبالتالي إلى التأثير في سلاسل الإمدادات والتجارة الخارجية والذي يمكن أن يؤدي إلى نقص السلع، بما في ذلك السلع الضرورية، كالمنتجات الصناعية والغذائية، وهو ما سيساهم في ارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية، وخصوصاً إذا ما تعقدت ظروف حرب أوكرانيا والتي كانت لها تأثيرات كبيرة في عرقلة سلاسل الإمداد.
هذه بعض التداعيات المتوقعة خليجياً، والتي يمكن تفادي بعضها من خلال العديد من الإجراءات عبر دراسة التأثيرات المتوقعة التي ستطال كل قطاع اقتصادي، مع التركيز على القطاعات الأكثر حيويةً وأهميةً للاقتصادات الخليجية.
*د. محمد العسومي خبير ومستشار اقتصادي
المصدر: الاتحاد – أبو ظبي
موضوعات تهمك: