فرنسا احتاجت 24 سنة ليحصل لاعب فرنسي على الكرة الذهبية وأن آخر فائز فرنسي بها كان بدوره ابن هجرة ومهاجرين يدعي زين الدين زيدان!
هذا اللاعب المتميز أتمّ موسماً حافلاً في ملاعب اللعبة الجماهيرية الأكثر شعبية فإن دلالات عديدة تتجاوز فوزه بهذه الجائزة الرفيعة عن جدارة واستحقاق وإجماع نادر.
كريم بنزيمة جزائري الأصل وهو ابن موجات الهجرة ذاتها التي أغنت المجتمع الفرنسي في ميادين اقتصادية وصناعية وديمغرافية وثقافية، على امتداد سبعة عقود.
نجاح بنزيمة بتحقيق الذات والتميّز هو الدليل الأحدث على منطق تاريخي صحيح أكد على الدوام ثراء التشارك بين الشعوب والأمم بعكس أوهام التعصب والعنصرية والانغلاق والتقوقع.
* * *
تابع مئات الملايين الحفل الذي احتضنه أحد أعرق مسارح العاصمة الفرنسية باريس وشهد تتويج كريم حافظ مصطفى بنزيمة، نجم المنتخب الفرنسي لكرة القدم وهداف نادي ريال مدريد الإسباني، بجائزة الكرة الذهبية المرموقة استناداً إلى تصويت أغلبية من 100 صحافي رياضي عالمي.
وإذا كان هذا اللاعب المتميز قد أتمّ موسماً حافلاً على أصعدة أبرز مسابقات اللعبة الجماهيرية الأكثر شعبية، فإن دلالات عديدة تتجاوز فوزه بهذه الجائزة الرفيعة عن جدارة واستحقاق وإجماع نادر.
ولعل الدلالة الأهم الجديرة بالتشديد هي أن بنزيمة ولد في مدينة ليون الفرنسية ولكنه جزائري الأصل لأبيه وأمّه، وهو ابن موجات الهجرة ذاتها التي أغنت المجتمع الفرنسي في ميادين اقتصادية وصناعية وديمغرافية وثقافية، على امتداد سبعة عقود على الأقلّ.
وبلوغه اليوم هذا الشأن من تحقيق الذات والنجاح والتميّز داخل مسقط رأسه الفرنسي، وما رسّخه من قدوة للشباب وفخر كبير في بلده الأمّ وعلى نطاق العالم، هو استطراداً الدليل الأحدث على منطق تاريخي صحيح أكد على الدوام ثراء التشارك بين الشعوب والأمم، على نقيض أوهام التعصب والعنصرية والانغلاق والتقوقع.
صحيح أن بنزيمة، وعلى شاكلة البشر الخطائين خاصة في أطوار الشباب والتهور، ارتكب مخالفة سلوكية قادته إلى المثول أمام القضاء في قضية ابتزاز زميل، فنال حكماً مع وقف التنفيذ وجرى بذلك إغلاق الملف في المستوى القانوني.
ليس أقل صحة أن بعض قيادات كرة القدم في فرنسا، بمن فيهم مدرب المنتخب الوطني نفسه، تذرعوا بذلك الخطأ ومارسوا ضد بنزيمة سياسة استبعاد أقرب إلى التحريم، لم يكن الأصل المهاجر غائباً تماماً عن دافعها غير المعلن.
لكن اللاعب النجم فرض سريعاً شخصيته كأحد أفضل مهاجمي العالم، مما أجبر جهات الإقصاء ذاتها على خطب ودّه ودعوته للانضمام مجدداً إلى المنتخب الفرنسي، فلم يتردد في الاستجابة والترفع عن الضغائن الصغيرة.
الدلالة الثانية التي تؤكد أيضاً دور الهجرة في إغناء تراث الشعوب هي أن فرنسا احتاجت إلى 24 سنة كي يحصل لاعب فرنسي على الكرة الذهبية من جهة أولى، وأن آخر فائز فرنسي بها كان بدوره ابن هجرة ومهاجرين يدعي زين الدين زيدان من جهة ثانية.
وقد يصعب على الفرنسيين نسيان الشعبية الطاغية الذي تمتع بها زيدان بعد فوز فرنسا بكأس العالم تلك السنة، وكيف رفعت بعض تظاهرات التكريم شعار «زيدان رئيساً» لفرنسا.
والأرجح أن إدارة جائزة الكرة الذهبية تنبهت إلى هذا التزامن المدهش، فكلفت زيدان بأن يتولى إعلان اسم الفائز لعام 2022، ففعل وسلّمها سعيداً إلى بنزيمة ابن بلده الذي سبق له أن احتضنه في الملاعب وحرص على حسن تدريبه وتأهيله.
دلالة ثالثة تمثلت في حصول السنغالي ساديو ماني على جائزة سقراط التي تمنح للاعبين الملتزمين بالأعمال الخيرية، كما حلّ المصري محمد صلاح في المرتبة الخامسة ضمن ترتيب أفضل لاعبي العالم، وأما الجزائري رياض محرز قد جاء في المرتبة 13. وهذه وسواها دلالات تؤكد فضائل الهجرة، وأنها قد تكون أثمن من أي ذهب تُطلى به الجوائز الرفيعة.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: