هناك تنافس بين المعسكرات السياسية الإسرائيلية على مؤيدي “حلّ الدولتين” في الرأي العام الإسرائيلي، رغم أنهم في تناقصٍ مضطرد من عام لآخر.
عنف إسرائيلي ممنهج ومُدبّر تعرف القيادة الإسرائيلية جيّدًا إلى أين يمكن أن يؤدّي، في ظل الجمود السياسي المسيطر على ما تسمّى “عملية التسوية”.
تفاقم العنف الإسرائيلي ناجم عن جدول أعمال الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية الحالية وأول أولوياته الضم الزاحف لأراضي 1967 بدءًا من “مناطق ج” برفض استئناف المحادثات.
* * *
بقلم: أنطوان شلحت
يتّضح أكثر فأكثر، بمرور الوقت، أن إحدى الغايات التي تطلّع إليها رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لبيد، من إعلان تأييده “حلّ الدولتين” للصراع مع الفلسطينيين، في خطابه أمام الدورة السنوية للجمعية العامة في الأمم المتحدة، ليس الدفع بهذا الحلّ، إنما كسب أصوات مؤيدي هذا الحلّ بين الناخبين الإسرائيليين، على حساب أحزاب أخرى من المعسكر السياسي نفسه، خدمةً لاعتباراتٍ تتعلق بمترتبات نتائج الانتخابات الإسرائيلية البرلمانية القريبة، وبآلية اختيار المرشّح لتأليف الحكومة المقبلة.
فلا ينبغي أن نسقط من الحساب أن هناك تنافسًا بين المعسكرات السياسية الإسرائيلية نفسها. وفيما يرتبط بمؤيدي “حلّ الدولتين” في صفوف الرأي العام الإسرائيلي، ينبغي أن نأخذ في الحسبان أنهم في تناقصٍ آخذٍ بالازدياد من عام إلى آخر.
وفي هذا الصدد، تشير آخر استطلاعات الرأي العام حول هذا الموضوع بالذات (استطلاع “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” في سبتمبر/ أيلول الماضي) إلى أن 39% من الإسرائيليين يؤيدون اتفاقًا بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية “يشمل تقسيم البلد إلى دولتين”، في مقابل 46% في الاستطلاع السابق في ديسمبر/ كانون الأول 2019، و54% في استطلاع أغسطس/ آب 2017.
كما يوضح أن انخفاض معدلات تأييد “حلّ الدولتين” عابر للمعسكرات السياسية، فبينما هبطت نسبة المؤيدين في معسكر اليمين من 29.5% في الاستطلاع السابق إلى 20% في الاستطلاع الحالي، فإنها في معسكر “اليسار” هبطت من 85% إلى 68%.
رُبّما ليس مجازفة القول إن رئيس الحكومة لبيد يحاول أن ينافس أحزاب الوسط، بل وحتى أحزاب “اليسار الصهيوني”، من اليسار، وخصوصًا في المواقف التي تخصّ القضية الفلسطينية.
في الوقت نفسه، لا تسقط من حساب لبيد، كما من حساب سائر ما يُعرف بـ”قوى الوسط”، ضرورة منافسة أحزاب المعسكر المناوئ، وهي أحزاب اليمين الأكثر تطرّفًا، في عقر دارها، وهو يفعل ذلك من زاوية التباهي بمزيد مما يمكن اعتباره بمثابة “أمننة السلام” عبر تشديد القبضة الأمنية المفروضة على أراضي 1967 في الفترة الأخيرة، والتي تشهد تصاعدًا في عمليات المقاومة، سيما في منطقة شمال الضفة الغربيّة.
وهي زاوية تدجّجها معطيات من الميدان بشأن نتائج تلك القبضة الأمنية الحديدية، تزوّدنا بها على الدوام مصادر فلسطينية، فضلًا عن محللين ومنظمات حقوق إنسان من إسرائيل.
سأشير من بين المصادر الإسرائيلية إلى ما توقف عنده هذا الأسبوع الباحث المتخصّص في دراسة الجيش الإسرائيلي، يغيل ليفي، حين قارن بين ردّة الفعل الإسرائيلية على عمليات المقاومة الحالية وردّة الفعل السابقة على ما عرف باسم “انتفاضة الأفراد” عام 2015، مستنتجًا أن الأخيرة كانت أكثر انضباطًا وأقلّ فتكًا.
ولعلّ أكثر ما يمثّل خلاصته هذه أنه إبان “انتفاضة الأفراد” قتل سبعة فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي على خلفية رمي الحجارة في اتجاه الجنود، أي ما نسبته 5% من مجموع القتلى الفلسطينيين.
في حين أنه خلال موجة المقاومة الحالية المستمرّة ارتفعت نسبة القتلى الفلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي من جراء قيامهم برمي الحجارة في اتجاه الجنود بنسبة 20% حتى نهاية يوليو/ تموز الفائت.
ووفقًا لما يقوله هذا الباحث، يعزّز سلوك الجيش الإسرائيلي الاعتقاد بأنه ناجم ليس فقط عن اختلاف التفكير لدى قيادته، بين ما كان في عام 2015 وما صار إليه الآن، إنما هو ناجم أيضًا عن جوهر جدول الأعمال الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية الحالية ووضعت في رأس أولوياته تطبيق سياسة الضم الزاحف لأراضي 1967 بدءًا مما تعرف بـ”مناطق ج”، من خلال رفض خيار استئناف المحادثات.
وبرأيه، هذا هو التفسير الأكثر معقولية للدمج بين العنف الإسرائيلي الممنهج والمُدبّر والذي تعرف القيادة الإسرائيلية جيّدًا إلى أين يمكن أن يؤدّي، في ظل الجمود السياسي المسيطر على ما تسمّى “عملية التسوية”.
* أنطوان شلحت كاتب وباحث في الشأن الإسرائيلي
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: