بصرف النظر عن نوعية وحجم “المحاسبة” الموعودة، كان اللافت في بيان البيت الأبيض كان مضمونه وتوقيته.
المتوقع هو أن الإدارة الأميركية وسعّت أو تمهد لتوسيع دعمها للتظاهرات على أرضية توسع دائرة هذه الأخيرة في مواجهتها للنظام.
لكن المراهنة في ذلك ليست على تغيير، بقدر ما هي على “صمود”، إذ لا بد أن يستدعي التصعيد الأمني، ما يدخل الوضع في حلقة مقفلة.
بعد تريث وحذر، اكتفت الإدارة الأميركية برد مقتضب وبحصر العقوبات بقيادات “شرطة الأخلاق”، التي قالت إنها تعاملت بصورة ضيقة مع المرأة ومع “التظاهرات السلمية”.
ما زال الترقب سيد الموقف، فالإدارة الأميركية تحرص على خطوط سالكة مع طهران والتوقعات متباينة، لكن ثمة إجماع على دخول الوضع الإيراني أزمة غير مسبوقة.
* * *
توعد الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الثلاثاء، بأن يعلن هذا الأسبوع عن إجراءات مكلفة في إطار محاسبة الذين يمارسون العنف ضد المتظاهرين في إيران.
وقال نائب الناطق الرسمي في الخارجية الأميركية، فيدينت باتيل، يوم الثلاثاء، إن الخطوات سيكشف عنها البيت الأبيض اليوم الأربعاء، من دون الإفصاح عن طبيعتها، ولو بالتلميح، إلا أن التقديرات تشير إلى أنها ستكون أوسع من العقوبات التي فرضتها واشنطن على أفراد في بدايات الأحداث، من غير أن تلحق الأذى بمفاوضات فيينا، التي حرصت المتحدثة في البيت الأبيض كارين جان بيير على الفصل بينها وبين الأحداث الجارية، مع تأكيد تمسك الإدارة الأميركية بالسعي لتجديد اتفاق 2015 “طالما بقينا معتقدين بأن العودة إليه هي في مصلحة الأمن القومي الأميركي”، على حد تعبيرها.
فيما رد الجمهوريون (النائب مايكل ماكول عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب) بمطالبة الإدارة بوقف التعامل والتفاوض مع إيران، وبالإشارة إلى المفاوضات، نفى باتيل، اليوم الثلاثاء، ما ذكرته تقارير حول تسهيل واشنطن عملية استرداد مبلغ 7 مليارات دولار مجمدة لإيران في مصارف كوريا الجنوبية بحكم العقوبات، وقال إن هذا الزعم “كاذب كلياً”.
لكن بصرف النظر عن نوعية وحجم “المحاسبة” الموعودة، ما كان ملفتاً في بيان البيت الأبيض كان مضمونه وتوقيته.
في البداية، وبعد تريث وحذر، اكتفت الإدارة الأميركية برد مقتضب وبحصر العقوبات بعدد محدود من قيادات “شرطة الأخلاق”، التي قالت إنها تعاملت بصورة ضيقة مع المرأة ومع “التظاهرات السلمية” كحق للمواطنين.
أما الآن، فقد جاء الرد بصيغة تناولت تاريخ ممارسات النظام “المتوالية منذ عقود، التي قامت على حرمان شعبه للحريات بالترهيب والإكراه والعنف”، بالاضافة إلى إعلان وقوف الولايات المتحدة إلى جانب “المرأة، وباقي المواطنين الإيرانيين”، وليس فقط المتظاهرين كما كان الأمر في الرد الأولي.
وفي إشارة إلى رفع وتيرة التشجيع والمساندة، كشف البيت الأبيض عن أن واشنطن تعمل الآن على “تسهيل وصول الإيرانيين إلى الإنترنت، وتمكينهم من الاتصال مع منصات تواصل خارجية آمنة”، بحيث يبقى الشارع الإيراني على صلة بالخارج وبما يساعد هذا الأخير على تطوير أشكال دعمه للانتفاضة، تبعاً لظروف المواجهة المتوقع تصاعدها وتصعيدها من الجانبين.
هذه السردية بدت وكأنها مقدمة لنقلة في الموقف الأميركي من الوضع بعد 3 أسابيع من اندلاع أحداثه.
ولا يعتبر التوقيت مجرد مصادفة، فبعد هذه المدة، بدأت تتبلور عوامل التوسع والاستمرار في المواجهة وإن لم يُراهن حتى الآن على مآلاتها. وقد تمثلت، حسب التقارير والمعلومات المتداولة، بانضمام القطاع الطلابي الجامعي إلى حركة الاحتجاج، كما بعض الجماعات الإثنية “كالأكراد وذوي الأصول الأذربيجانية”، فضلاً عن المرأة “وفئات واسعة من الطبقة الوسطى، التي لطالما عانت من الضيق المتنوع وبخاصة الاقتصادي”.
إن الاعتقاد الرائج الآن يتعلق بأن هذا الخليط لم يكن كما هو بتنوعه وبكثافته الحالية في التحركات السابقة، التي لم تكن قد راكمت بعد من الاحتقان بقدر ما هو عليه الحال في الوقت الحالي، كما أن المتوقع هو أن الإدارة الأميركية وسعّت أو تمهد لتوسيع دعمها للتظاهرات على أرضية توسع دائرة هذه الأخيرة في مواجهتها للنظام.
لكن المراهنة في ذلك ليست على تغيير، بقدر ما هي على “صمود”، إذ لا بد أن يستدعي التصعيد الأمني، ما يدخل الوضع في حلقة مقفلة، ومحكومة بأن تؤدي إما إلى تنازلات أو إلى تعنيف الصدامات التي قد تنتهي بخلق معطيات جديدة.
حتى الآن، ما زال الترقب سيد الموقف، فالإدارة الأميركية تحرص على ترك الخطوط سالكة مع طهران، والتوقعات متباينة، لكن ثمة إجماعاً على أن الوضع الإيراني يدخل في أزمة غير مسبوقة.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: