بقلم: رفيق خوري
الثورة على الشاه كانت وطنية شاملة، لا إسلامية محددة. ولم تكن بين شعاراتها إقامة “ولاية الفقيه”. لكن الإمام الخميني تمكن من الانفراد بالسلطة ودفع شركاء الثورة إلى السجون أو القبور أو المنافي.
من حزب “توده” الشيوعي إلى جماعة “الجبهة الوطنية” من أيام محمد مصدق إلى أنصار “مجاهدي خلق” وآيات الله الرافضين ولاية الفقيه العامة وبينهم نائبه حسين علي منتظري، وصولاً إلى أربعة من أركان الخميني وصلوا إلى رئاسة الجمهورية والوزارات قبل خلعهم ومعاقبتهم بتهمة ارتباطهم بوكالة الاستخبارات الأميركية.
كانت الانتفاضة على الشاه الذي أعلن مشروع “الثورة البيضاء” وأوحى أنه يريد أن يجعل من إيران “يابان الشرق الأوسط” تتحرك من جهتين، جهة رجال الدين والفئات المحافظة، بحيث الاحتجاج على اصطدام “ليبرالية” النظام بالقيم الإسلامية، وجهة اليسار والمثقفين والطبقة الوسطى، فالرفض للقمع الوحشي الذي يمارسه “السافاك” والطموح لإقامة نظام جمهوري ديمقراطي يحقق العدالة والمساواة.
لكن جمهورية الملالي هي جمهورية بالاسم فقط، لأن السلطة المطلقة في يد المرشد الأعلى نائب “صاحب الزمان” الذي يتمتع بصلاحيات إلهية. وهي تمارس العنف بأشد مما كان أيام الشاه المخلوع. وتتشدد في القيود الاجتماعية على المجتمع، لا سيما على النساء.
وتنفق على وكلاء مسلحين في العراق وسوريا ولبنان واليمن يتكلون على دعم مكون مذهبي ويعملون لمشروع إقليمي إيراني، وتهدر كثيراً من الموارد على برنامج نووي وبرنامج صاروخي وصناعة مسيّرات كأن طموحها هو أن تصبح إيران “كوريا شمالية في الشرق الأوسط”.
وليس ذلك من دون انتفاضات في الشارع يسارع النظام إلى اتهام “الأعداء” بأنهم يحركونها ويعمل على قمعها بشدة. وأقسى السلطات هي السلطة التي لا تكتفي بالقمع السياسي، بل تمارس نظيره الاجتماعي وتحدد للناس كيف تعيش؟ وماذا تلبس وتشرب؟ وبماذا يجب أن تؤمن وتفكر؟ وكلما ازداد الضيق تزايدت إرادة التحدي للخروج منه.
يكفي أن يكون في البلد شيء اسمه “شرطة الأخلاق” لكي تشعر النساء بالإهانة. والخسارة مؤكدة في النهاية لأي نظام يقاتل المرأة. وتروي مريم أتاباك قصة معبرة عنها وعن جدتها. الجدة تعرضت للضرب أيام الشاه لأنها رفضت خلع الحجاب. وهي تعرضت للضرب أيام الملالي لأنها رفضت وضع الحجاب. وليس أمراً قليل الدلالات أن تحدث انتفاضة في طول إيران وعرضها بعد موت شابة لم يكن يعرفها سوى أهلها هي مهسا أميني التي اعتقلتها “شرطة الأخلاق” بحجة أن حجابها “غير لائق”. نزلت النساء إلى الشارع وأحرقن الحجاب، نزل الشباب إلى الشارع. تحرك الطلبة والطالبات في 80 جامعة بينها جامعة الزهراء. عمت المسيرات مدينة قم. ارتفعت أصوات الفنانين من موسيقيين وسينمائيين وأصوات الأدباء والصحافيين والفرق الرياضية تدعم انتفاضة النساء. وسقط الخوف من القمع.
مفهوم أن النظام لن يسقط على الفور. لكن الانتفاضة الحالية زرعت بذور ثورة ثقافية اجتماعية تضرب واحداً من أهم أعمدة النظام هو فرض الحجاب الإجباري واستخدامه أداة فاعلة من أجل هدف سياسي هو “السيطرة على المجتمع المتمرد اجتماعياً وسياسياً”، كما قالت مجلة “فورين بوليسي”. ثورة مرشحة لأن تضم نساء أكبر قوميتين، الفارسية والأذرية وتجمع الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة، كما يقول الخبراء بالشؤون الإيرانية. فمن الوهم تجميد الحياة مهما يكن النظام قوياً ومستعداً للقمع والعنف إلى النهاية. و”التراكم الكمي البطيء يؤدي الى تحول كيفي سريع”، بحسب الديالكتيك الماركسي.
تقول الصحافية الإيرانية في أميركا مسيح علي نجاد إن “الحجاب الإجباري ليس مجرد قطعة قماش. إنه مثل جدار برلين وإذا تمكنت نساء إيران من هدم الجدار فلن تبقى الجمهورية الإسلامية”. والشعار المرفوع حالياً هو “لا للحجاب، لا للعمامة” مرشح أن يصبح واقعاً. ومن الطبيعي أن يضاف إليه أمر ثالث، لا للقبعة لأن من يحكم وراء عمامة الملالي هم أصحاب القبعات العسكرية في الحرس الثوري. وليس قصف الحرس الثوري لكردستان العراق سوى محاولة للإيحاء بأن المشكلة مع الكرد فقط. ولا مجال لإنكار شمولية الحراك.
*رفيق خوري: كاتب صحفي لبناني
المصدر: إندبندنت عربية
موضوعات تهمك: