الحراك الدبلوماسي الروسي امتاز بالنشاط والمرونة وسرعة وخفة الحركة، التي لا تقيدها الشروط والقيود التي تحيط بأولاف شولتس.
تفاقم أزمة إمدادات الطاقة لأوروبا زاده سوداوية تعقد محادثات شراء ألمانيا للغاز القطري بسبب رغبة قطر توقيع اتفاقيات أطول أجلاً من رغبة ألمانيا.
انتقادات ألمانية تأخذ طابعاً أيديولوجياً متطرفاً يمتد إلى الشذوذ الجنسي.. انتقادات ستلاحق شولتس في زيارته قطر لموقفها المناهض لنشاطات الشاذين والمنحرفين.
الأمر يحتاج مرونة كبيرة من الجانب الألماني يصعب تحقيقها مع صعود يمين أوروبي لن يكبح جماحه سوى تحسين الوضع الاقتصادي وتجاوز الشتاء الاوروبي القاسي.
انعطافة برلين نحو الخليج لا تعتبر استراتيجية فتمسكها بالطاقة النظيفة والاستغناء عن الطاقة الأحفورية وتشديد القيود على استخدامها يعوق تطوير العلاقة بالخليج.
انفتاح ألمانيا على دول الخليج لا زال بطيئاً وخجولا لم يستجب لمتطلبات الأمن الالماني الاقتصادي والسياسي بما يكفي أي أن ألمانيا لا زالت على أبواب أزمة عاصفة وشتاء بارد.
* * *
بقلم: حازم عياد
ترف الانتظار لم يعد ممكناً في المانيا مع اقتراب الشتاء واحتدام حرب أوكرانيا، فتعقد وتعثر مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، وتفاقم أزمة إمدادات الطاقة لأوروبا؛ زاده سوداوية تعقد محادثات شراء ألمانيا للغاز القطري بسبب رغبة قطر توقيع اتفاقيات أطول أجلاً من رغبة ألمانيا.
تعقيدات دفعت المستشار الالماني أولاف شولتس لإطلاق جولة في منطقة الخليج العربي، بدأها بزيارة السعودية ولقاء ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، يتبعها بزيارة لكل من قطر والامارات.
الحراك الدبلوماسي والسياسي الالماني نحو الخليج العربي جاء متأخرا، إلى جانب كونه يواجه عدداً من التحديات، أبرزها انتقادات معارضين ألمان للانفتاح على السعودية وولي عهدها الامير بن سلمان لعلاقته بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، وملفات حقوق الانسان، إلى جانب الموقف الالماني العدائي للسعودية في حرب اليمن.
ما دفع مستشاري شولتس لتبرير اللقاء في محاولة لتسويقه داخليا بالقول: إن ولي العهد، الحاكم الفعلي للبلاد، سيقود المملكة في السنوات العشر أو العشرين او الثلاثين المقبلة، وعلينا التحدث مباشرة مع السعودية اليوم إذا أردنا حل مسألة الحرب في اليمن مثلا، أو التطرق إلى المسألة الإيرانية.. لا يمكننا ان نتجاهل ضرورة العمل معا، كما تم تضمين زيارة المستشار الالماني لقاءً مع مجموعة من النساء السعوديات لشرح التحولات في السعودية.
الانتقادات الألمانية تأخذ طابعاً أيدولوجياً متطرفاً يمتد إلى الشذوذ الجنسي.. انتقادات ستلاحق شولتس خلال زيارة لقطر بسبب موقفها المناهض لنشاطات الشاذين والمنحرفين خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم.
الأمر الذي يحتاج إلى مرونة كبيرة من الجانب الالماني يصعب تحقيقها في ظل صعود اليمين الاوروبي الذي لن يكبح جماحه سوى تحسين الوضع الاقتصادي، وتجاوز الشتاء الاوروبي القاسي.
انعطافات برلين رغم أهميتها للرياض والدوحة؛ إلا أنها لا تعتبر انعطافة استراتيجية، فتمسك ألمانيا بالطاقة النظيفة، والاستغناء عن الطاقة الأحفورية، وتشديد القيود على استخدامها؛ يمثل أحد عوائق تطوير هذه العلاقة.
إذ لم يغفل شولتس عن مناقشة سبل إنتاج غاز الهيدورجين النظيف في السعودية لتصديره إلى أوروبا، علما أن الرياض تملك الكثير من الوقت والأسواق المهمة في آسيا التي تفوق في أهميتها السوق الاوروبية المتحولة وغير المستقرة.
التحديات التي يواجهها شولتس في جولته؛ لم تقتصر على التفضيلات الاوروبية الداخلية والمخاوف من صعود اليمين؛ إذ تشمل التحدي الروسي، إذ استبق الرئيس فلاديمير بوتين جولة المستشار الالماني بإطلاق سراح عدد من المرتزقة والمقاتلين في صفوف الكتائب الاوكرانية بوساطة سعودية؛ وقف على رأسها بن سلمان.
تبعها اتصال هاتفي جمع بن سلمان ببوتين، أكدا فيه على أهمية تواصل التعاون والشراكة ضمن مجموعة اتفاق (أوبك+)، كما أعرب بوتين عن ترحيبه بانضمام السعودية للقاءات منظمة شنغهاي للتعاون مستقبلاً.
لم يكتفِ الروس بالتواصل مع ولي العهد السعودي، إذ عمد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لاجتماع بوزراء خارجية دول الخليج في نيويورك، ضم وزير الخارجية السعودي فيصل الفرحان، ووزير الخارجية البحريني، إلى جانب المندوب الاممي لسلطنة عُمان في نيويورك، كما التقى لافروف وزير خارجية الامارات عبدالله بن زايد.
فالحراك الدبلوماسي الروسي امتاز بالنشاط والمرونة وسرعة وخفة الحركة، التي لا تقيدها الشروط والقيود التي تحيط بأولاف شولتس.
ختاماً.. زيارة شولتس لدول الخليج العربي تؤكد صحة الرهانات التي اتخذتها العواصم العربية الثلاث في التعامل مع أزمة وحرب أوكرانيا؛ رهانات دفعت ألمانيا ودول أوروبا للتراجع عن سياساتها المتشددة والمؤذية للدول الخليجية في عدد من الملفات السياسية والاقتصادية.
إذ لم يعد أمام ألمانيا من سبيل إلا الانفتاح على الرياض ودول الخليج العربي؛ لمواجهة تحدي الحرب والطاقة في أوروبا، وهو انفتاح لا زال بطيئاً وخجولا لم يستجيب لمتطلبات الأمن الالماني الاقتصادي والسياسي بالشكل الكافي حتى اللحظة، ما يعني أن ألمانيا لا زالت على أبواب أزمة عاصفة، وشتاء بارد.
* حازم عياد كاتب وباحث في العلاقات الدولية
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: