لسان الدفاع عـن الجريمة
- لا يقبل الخطاب الرسمي العربي نقدا رغم ضرورته للدولة والنظام بل يقصي المعارضة ويدفعها نحو التطرف!
- مدار الخطاب المدافع عن السعودية الربط المباشر بين النظام السياسي من ناحية وبين الوطن ككل.
بقلم: محمد هنيد
شهدت المنابر الإعلامية العربية والدولية وكذلك منصات التواصل الاجتماعي خلال الأسبوعين الماضيين مواجهات كبيرة بين المنددين بجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وبين المدافعين عن الموقف الصعب للمملكة العربية السعودية.
المنددون بالجريمة عبروا عن صدمتهم من بشاعتها ومن الطرق البدائية القروسطية الموغلة في التوحش والتي استخدمت للتخلص من كاتب كان ذنبه الوحيد هو التعبير عن رأيه. كما نددت مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة الإنكار السعودية التي انتهت بها إلى الاعتراف بقتل الرجل داخل قنصليتها.
أما المدافعون عن المملكة سواء من داخل البلاد أو من خارجها فقد سعوا في البداية إلى إنكار الجريمة مطلقا بل وإدانتها، ثم بدأ الاعتراف التدريجي بارتكابها وصولا إلى الإقرار بأنها حدثت فعلا داخل القنصلية السعودية باسطنبول.
لكن اللافت للنظر في الخطاب المدافع عن السعودية إنما يتمثل في تركيزه المملّ على نقطة واحدة تبدو مدار الخطاب نفسه. تتأسس هذه النقطة على الربط المباشر بين النظام السياسي من ناحية وبين الوطن ككل.
أي أن كل نقد يوجه لأداء النظام السياسي إنما هو حسب هذا الخطاب موجه ضد الوطن وضد البلد وضد الشعب. يستمد هذا الخطاب شرعية من رمزية المكان الذي يؤوي الأماكن الإسلامية المقدسة أي مكة والمدينة وهو ما يضفي على الدولة الحاضنة لهما صفة القداسة.
لكن هذا الربط لا يقتصر على الدولة السعودية بل يشمل كثيرا من الدول العربية التي يتم فيها الربط بين النظام السياسي من جهة أولى وبين الدولة ككل من جهة ثانية إلى درجة صار فيها اسم الحاكم معبرا عن الدولة نفسها.
«سوريا الأسد» و«ليبيا القذافي» و«مصر السيسي» هي الأخرى نماذج عن هذا الخطاب الذي يعمل على حصر الدولة في الفرد الحاكم بشكل مطلق فيعتبر كل نقد للحاكم نقدا للوطن وتهجما عليه وتآمرا حوله.
لقد بالغ الخطاب الإعلامي السعودي خلال الأسابيع الفارطة في الربط بين التنديد الشعبي بالجريمة البشعة وبين محاولات النيل من صورة المملكة بشكل يغذي نظرية المؤامرة والحملة الإعلامية على البلاد.
إن كل صوت معارض صار تعبيرا عن العداء للمملكة ومحاولة للنيل منها وهو ما يصنّف كل الآراء بما فيها المطالبة بالإصلاح ضمن خانة المواقف المعادية.
لا يعترف الخطاب الرسمي العربي بالمسؤولية وقبول النقد بما هو مظهر صحي للدولة والنظام بل يعمل على إقصائها والدفع بها نحو التطرف والتشدد بشكل يغذي عن وعي أو عن غير وعي حالة الاحتقان والتذمر في الأوساط الشعبية أو بين النخب نفسها.
* د. محمد هنيد أكاديمي تونسي أستاذ السياسة بجامعة السوربون – باريس
المصدر: «الوطن» القطرية