تداعيات جريمة اغتيال خاشقجي الإقليمية والدولية
- غياب بن سلمان سيصيب علاقات السعودية بـ(إسرائيل) بضرر كبير وستتراجع علاقاتها ببلدان عربية.
- أساءت السعودية لنفسها بمغامرات كثيرة لكنها أضافت إساءة عظمى بتصفية خاشقجي.
بقلم: عبد الستار قاسم
مقتل خاشقجي لن يمضي بدون تداعيات على المستويين الإقليمي والدولي، وهي تداعيات قد تكون في صالح العرب على حساب الحكام العرب. وألخص هذه التداعيات بالتالي:
إضعاف العائلة المالكة
أولا: مقتل الرجل قد أضعف العائلة المالكة السعودية ووضعها تحت مجهر العالم بأسره، ومن كان يرى أن العائلة المالكة تشكل حاكما محترما ومقنعا بات يعيد التفكير فيما رآه وقدّره.
كانت السعودية تتمتع بالكثير من الأصدقاء على المستويين العالمي والإقليمي، وأدت بها حادثة الخاشقجي للانحدار لدى أغلب الدول الديمقراطية، وللكثير من التساؤلات لدى دول الاستبداد والاستعباد كالدول العربية.
ورأت بعض الدول مثل الولايات المتحدة أن السعودية تحارب الإرهاب، لكن ثبت أنه لا يوجد إرهاب أشد مما مارسته السعودية ضد مواطنيها. حتى إن إرهاب “داعش” لم يصل إلى مستوى إرهاب القنصلية.
لقد أساءت السعودية لصورتها وسمعتها في مغامرات كثيرة مثل الحرب على اليمن وحصار قطر، لكنها أضافت إساءة عظمى في مقتل خاشقجي.
السعودية ضعفت أخلاقيا بشكل حاد، وأضعفت معها أنظمة عربية كثيرة لأن الممارسات لدى دول الاستبداد العربي واحدة. وكم من المثقفين والمفكرين والإعلاميين والأكاديميين العرب لقوا مصيرا صعبا في بلدانهم ولوحقوا وسجنوا وعذبوا وقتلوا واضطروا للهروب خارج البلاد بحثا عن الأمن والأمان.
لكن في هذا ما قد يكون مفيدا لقادة الرأي العرب إذ من الممكن أن يصعدوا نشاطهم في الدول الغربية للتوقف عن دعم الاستبداد العربي وزجر الحكام العرب.
أصحاب الرأي والقلم العرب كانوا بحاجة لهزة كبيرة توقظ الإعلام العالمي والضمير العالمي، فكانت الهزة على حساب الخاشقجي.
إضعاف المحور (السني)
ثانيا: وإذا كانت السعودية ستضعف فإن كل محورها سيضعف والذي تصفه هي بالمحور السني الذي يواجه إيران ومحورها. (ومن المؤسف جدا أن السعودية وأمثالها اضطروا الكتاب العرب أن يكتبوا سنة وشيعة الأمر الذي لم نكن لنتعاطى معه تحت أي ظرف). ومن الملاحظ أن إيران وحزب الله قد وقفا متفرجين على ما حصل يترنمان على ألحان الانحطاط السعودي ومواقف الدول مما جرى. صدقية السعودية على الساحة العربية تضعف بالمزيد، وأيضا سيتقلص تأييدها من قبل الأطراف السنية.
والمسألة شبيهة بفعلتها ضد سعد الحريري، إذ إن احتجازها له قلّل من تأييدها لدى أهل السنة في لبنان، وانقلب عملها عليها في الانتخابات اللبنانية. قد تحصل دولة على تأييد جماهيري وإعلامي لكن عليها أن تحرص على وفائها لمن يؤيدها. السعودية لم تحترم مؤيديها في عدد من الحالات مثل دعمها لداعش وأخواتها، وحربها على اليمن وحصارها لقطر.
محور (المقاومة) يكسب
المحور الذي يسمي نفسه محور المقاومة سيكسب من ضعف السعودية، وسيكسب بالمزيد إن فرضت الدول الغربية عليها بعض الحصار أو العقوبات، أو اتخذت ضدها عقوبات اقتصادية.
ومقولة الإرهاب الإيراني ستضعف أيضا على مستوى المنطقة، وستأخذ المقولات الإيرانية بشأن أمن المنطقة زخما أقوى مما كان الوضع قبل مقتل الخاشقجي. الآن لا يستطيع الرئيس الأمريكي التحدث عن إرهاب إيران دون أن يتحدث عن إرهاب السعودية، ولا يستطيع أن يقول للعالم إن السعودية تحارب الإرهاب.
طبعا لا رهان على موقف الرئيس الأمريكي أو مواقف الدول الاستعمارية لأن هذه الأطراف مستعدة دائما للاستهتار بالمبادئ لصالح المكاسب والمصالح. هذه الدول هي التي دعمت الاستبداد العربي ومكنت الحكام من رقاب الجماهير العربية وكبحت محاولات الوحدة العربية ونهبت الثروات العربية. لكن من الوارد أن يكون إعلام هذه الأطراف على يقظة مما يجري في الساحة العربية فيساهم في رفع النير عن الرقاب.
ثالثا: فعلة السعودية حاصرت السعودية والرئيس الأمريكي معا. حرص الرئيس الأمريكي دائما على علاقات طيبة مع السعودية لمصالح متبادلة وهي الحماية للنظام السعودي مقابل المال لأمريكا. الرئيس الأمريكي أصبح في حالة صدمة مما جرى لأن مقولاته حول الصداقة الأمريكية السعودية قد سقطت إلى حد كبير، وأصبحت السعودية على الأقل على المدى القصير عبئا عليه وليس رصيدا له.
أعضاء من الحزب الجمهوري يقفون منتقدين بشدة للسياسة السعودية، ومنتقدين للرئيس بسبب ليونة تعليقاته حول ما جرى في القنصلية. لقد أضعفت السعودية حلفاءها في أمريكا، وكلما أضعفتهم تضعف مواجهتهم لعدوها الأول، وفق أقوالها، إيران.
جرأة أكثر للمثقفين
رابعا: مقتل الخاشقجي يضعف الأنظمة العربية أيضا في مواجهة الأكاديميين والمثقفين والمفكرين. سيكون المفكرون والمثقفون أكثر جرأة الآن في الحديث عن ظلم الأنظمة العربية واستبدادها بسبب ما حظي به الخاشقجي من اهتمام عالمي.
أي أن المفكر العربي سيشعر الآن ببعض الأمن لما يتوقعه من وقفة عالمية وإقليمية معه فيما إذا تعرض للخطر. كما أن الحملة التي تتعرض لها السعودية تخيف الأنظمة العربية التي دأبت على تغييب أصحاب الفكر والرأي، وبالتالي ستخف عصا هذه الأنظمة عن ظهور المبدعين العرب. أي إن ضررا سيصيب أجهزة القمع العربية.
خامسا: الضرر سيصيب الكيان الصهيوني بخاصة إذا اختفى ابن سلمان عن المسرح السياسي السعودي. السعوديون يحاولون الآن إبعاد العائلة المالكة وابن سلمان بالذات عن دائرة الاتهام، لكن يبدو أن العالم قد بات مقتنعا بأن عملا مثل هذا الذي جرى بالقنصلية لا يمكن أن يتم بمبادرة خارج الأسرة الحاكمة.
وإذا غاب ابن سلمان فإن كل إجراءات التقرب السعودي من الكيان الصهيوني ستصاب بضرر كبير. وأي تراجع في العلاقات السعودية الصهيونية سيؤدي إلى تراجع في علاقات الكيان الصهيوني مع عدد من البلدان العربية.
أي أن ما أنجزه الصهاينة من تطبيع وتنسيق مع عدد من البلدان العربية سيتراجع.
* د. عبد الستار قاسم أكاديمي فلسطيني أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية.
المصدر: «عربي21»