موضوع الديمقراطية هو محلي ووطني وقومي وإنساني، يجمع أفضل ما في التمثيلية والتشاركية والانتمائية.
غابت العدالة والقيم الإنسانية والأخلاقية وراء أقنعة من الشعارات التي تناست روح الديمقراطية الإنسانية الحقة.
ينبغي أن يعي شباب الأمة العربية الأهمية القصوى لطرح كل الاسئلة حول مكونات ومبادئ ومنهجيات الديمقراطية التي ننشدها.
الديمقراطية التمثيلية مكونة أساساً من وجود أحزاب سياسية متنافسة عبر انتخابات دورية حرة ونزيهة، ومن برلمانات حرة منتخبة تراقب وتحاسب السلطة الحكومية.
مظالم وأطماع وأنانية وفردية الأنظمة النيوليبرالية لم تتراجع، وزاد غنى الأغنياء واستفحل فقر الفقراء، فكان أن طرح البعض مؤخراً فكرة الديمقراطية الانتمائية.
* * *
بقلم: علي محمد فخرو
«عن أية ديمقراطية نتحدث»؟ كان سؤالنا في مقالة الأسبوع الماضي، ذلك أن موضوع الديمقراطية، الذي ظن الكل أنه قد حسم منذ زمن طويل، أصبح الآن موضوع الساعة عبر العالم كله، بما في ذلك عبر البلدان التي وضعت أسس الديمقراطية وطورتها وصدّرتها للعالم كله.
عبر عقود طويلة قيل إن الديمقراطية التمثيلية، المكونة أساساً من وجود أحزاب سياسية متنافسة عبر انتخابات دورية حرة ونزيهة، ومن وجود برلمانات حرة يتكلم أعضاؤها المنتخبون باسم الشعب ولصالح الشعب، ويراقبون ويحاسبون السلطة الحكومية، بأنها هي الأفضل والأنزه والأكثر حماية للصالح العام.
لكن تراجع ثقة الناس في الأحزاب، لأسباب كثيرة، وتراجع نسبة الناخبين إلى حدود مقلقة وخطرة، وهيمنة أصحاب المال والوجاهة الاجتماعية ومؤسسات الإعلام التابعة لهم على العملية الانتخابية برمتها، قاد إلى برلمانات خادمة لصالح جهات الهيمنة بدلاً من المصالح العامة.
وظهر ذلك جلياً في السنين الأخيرة، عندما عجزت البرلمانات عن الوقوف في وجه الهجمة الرأسمالية النيوليبرالية العولمية البالغة التوحش والانحياز لأصحاب الثروة الطائلة، وعمليات الخصخصة الفاسدة الظالمة للطبقات الفقيرة والمتوسطة.
من هنا طرح البعض منذ حوالي عقدين من الزمن شعار الديمقراطية التشاركية، التي ركزت على الجانب الاقتصادي في الديمقراطية، واشترطت وجود عدالة معقولة في توزيع الثروة ووجود دولة الرعاية الاجتماعية لتوفير الخدمات الاجتماعية والمعيشية للفقراء والمهمشين على الأخص.
لكن مظالم وأطماع وأنانية وفردية الأنظمة النيوليبرالية لم تتراجع، وزاد غنى الأغنياء واستفحل فقر الفقراء، فكان أن طرح البعض مؤخراً فكرة الديمقراطية الانتمائية.
وهي تركز على تنظيم وتنشيط وتعاضد مواطني المجتمعات المحلية ليديروا الكثير من شؤونهم المحلية، وليشاركوا من خلال لجان محلية منتخبة في وضع أولويات ووسائل صرف ميزانياتهم المحلية، وما تخصصه الحكومات من أموال للمجتمعات المحلية، وليتعاضدوا في الضغط على الأحزاب والحكومات والبرلمانات ليقوموا بمسؤولياتهم تجاه خدمة عموم المواطنين، بدلاً من خدمة مصالح أصحاب المال والوجاهه والنفوذ.
في هذه الديمقراطية يشارك كل أفراد المجتمعات المحلية في خدمة مجتمعاتهم من جهة، وفي خدمة كل الوطن من جهة أخرى.
نحن إذن أمام سيرورة تفضح عاماً بعد عام أكذوبة الديمقراطية الليبرالية التمثيلية، التي كانت تتكلم باسم الأكثرية، كذباً ونفاقاً، لتخدم الأقلية. غابت العدالة والقيم الإنسانية والأخلاقية وراء أقنعة من الشعارات التي تناست روح الديمقراطية الإنسانية الحقة.
ما يهمنا، نحن العرب، إذ نتطلع للانتقال إلى أنظمة ديمقراطية، بحق وبضرورة وبأمل مستقبلي، أن ندرس تلك السيرورات في مختلف البلدان، وأن نعي تاريخها بعمق وموضوعية، منطلقة من حاجاتنا المستقبلية وعقائدنا الأخلاقية، حتى نتجنب الوقوع في أخطاء الآخرين، وفي أحابيل المتلاعبين بشعار الديمقراطية من أجل خدمة أنفسهم وخدمة أسيادهم.
ما يهمنا بالدرجة الأولى أن يعي شباب الأمة العربية الأهمية القصوى لطرح كل الاسئلة حول مكونات ومبادئ ومنهجيات الديمقراطية التي ننشدها.
وهذا المنهج لا يعني إطلاقاً الشك أو التردد بشأن الأهمية القصوى للانتقال إلى نظام ديمقراطي غير مزيف وغير منافق وغير تغيير الثوب دون تغيير الجسد.
على الشباب أن يقرؤوا كثيراً عن أدبيات هذا الموضوع ليناضلوا من أجل الديمقراطية التي يريدون. وهم بحاجة لأن يقيموا جبهة متناسقة مع قوى التحرر الحقيقي العالمية، لدحر القوى الهائلة التي لا يروق لها وجود ديمقراطية حقيقية تمارسها الشعوب، وترعى مصالح الشعوب.
موضوع الديمقراطية هو محلي ووطني وقومي وإنساني، يجمع أفضل ما في التمثيلية والتشاركية والانتمائية.
* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني
المصدر: بوابة الشروق
موضوعات تهمك: