الوضع في الجزائر والجوار الإقليمي ينبئان بتطورات خطيرة في حال بقيت الأزمة هناك على ما هي عليه.
تشهد القارة العجوز أزمة خانقة بفعل تداعيات الجائحة وحرب أوكرانيا وتجلت خاصة في نقص إمدادات الطاقة.
رغم أن الحراك الجزائري قد خمد والسلطة تحاول منع تجدد الاحتجاجات لكنّ واقع الحريات وأزمة الاقتصاد يؤكدان أن احتمال الهزات الاجتماعية أمر عالي التوقع.
لن تتخلص الجزائر من عقدة الاستعماري وتخرج من دائرة التيه إلا بمسار ديمقراطي يجمع جميع الجزائريين بكل أطيافهم لتفادي الانفجارات الحتمية القادمة.
يشهد جوار الجزائر أزمات عميقة كما في تونس وليبيا والتوترات مع المغرب بما قد يفاقم الأزمة الداخلية. ماذا يمكن أن يقدم الرئيس الفرنسي؟ وماذا سيطلب؟
دون حلول داخلية ستبقى البلاد رهينة أطماع خارجية وأجندات أجنبية تفاقم الأزمة الداخلية عمقا وفق مصالحها التي تفرض إبقاء الجزائر في حالة الجمود التام.
* * *
بقلم: د. محمد هنيد
أدى رئيس الجمهورية الفرنسية زيارة إلى الجزائر في مناسبة تعدّ تاريخية بين البلدين بسبب السياق الذي تندرج ضمنه سواء على المستوى الأوروبي أو المغاربي.
أوروبيا تشهد القارة العجوز أزمة خانقة بفعل تداعيات الجائحة من جهة أولى والحرب الأوكرانية الروسية من جهة ثانية والتي تجلت خاصة في نقص إمدادات الطاقة.
أما على الجهة المغاربية فإن الوضع في الجزائر وفي الجوار الإقليمي ينبئان بتطورات خطيرة في حال بقيت الأزمة هناك على ما هي عليه.
صحيح أنّ الحراك الجزائري قد خمد وأنّ السلطة تحاول منع تجدد الاحتجاجات لكنّ واقع الحريات والأزمة الاقتصادية التي تلقي بظلالها على البلاد يؤكدان على أن احتمال الهزات الاجتماعية أمر عالي التوقع.
من جهة أخرى يشهد الجوار الاقليمي المباشر أزمات عميقة مثلما هو الحال في تونس أو ليبيا وكذلك التوترات مع المغرب بشكل قد يزيد من تعميق الأزمة الداخلية. ماذا يمكن أن يقدم الرئيس الفرنسي؟ وخاصة ماذا الذي سيطلبه؟
من الصعب التكهن بذلك لكنّ السياق يسمح بتوقع إثارة جملة من الملفات وعلى رأسها ملفّ الطاقة وعرض فرنسا على الجزائر الترفيع في إمداداتها من الغاز والنفط.
لن يكون الملف المغربي وقضية الصحراء بعيدا عن المتحاوريْن خاصة وأنّ باريس تعمل على خفض التصعيد بين البلدين في ظل سياق عالمي متوتر وتوجس المغرب من الموقف الفرنسي حيال قضية الصحراء.
ولن يكون الملف التونسي أيضا بعيدا عن طاولة الحوار بسبب ما يمثله من ثقل نوعي في المنطقة خاصة في حال فشل الانقلاب وانتقال العدوى إلى الجوار الجزائري بتجدد الحراك.
من جهتها لن تكون فرنسا قادرة على تقديم أي نوع من أنواع الدعم إلى مستعمرتها السابقة إلا بتجديد صفقات عسكرية باهظة الثمن أو الحصول على صفقات من عقود الإعمار أو المشاريع الكبرى خاصة في مجال الطاقة والتنقيب عن الثروات الباطنية.
فباريس اليوم تعاني هي الأخرى من حالة الركود العامة ومن ارتفاع نسب التضخم وتراجع قيمة اليورو وهو ما يجعلها غير قادرة على المساعدة إلا بما تمليه مصالحها العليا.
لن تستطيع الجزائر التخلص من العقدة الاستعمارية والخروج من دائرة التيه إلا بالمرور إلى مسار ديمقراطي يجمع جميع الجزائريين بكل أطيافهم لتفادي الانفجارات الحتمية القادمة.
دون حلول داخلية فإن البلاد ستبقى رهينة الأطماع الخارجية والأجندات الأجنبية التي لن تزيد الأزمة الداخلية إلا عمقا بما يتفق مع مصالحها التي تفرض عليها إبقاء الجزائر في حالة الجمود التام.
* د. محمد هنيد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس
المصدر: الوطن – الدوحة
موضوعات تهمك: