كيف يهدم المجتمع كرامة أفراده بالسخرية و الإحتقار؟
“يحدد د. محمد كمال الشريف استشاري الطب النفس والمفكر الإسلامي في مقال من جزأين الأتي: كيف يهدم المجتمع كرامة أفراده؟ .. ثلاثة أساليب لا تتوافق مع القيم الإنسانية والدينية لدى الدين الإسلامي، يتعامل بها المجتمع مع أفراده لتوفيق اختياراتهم الحياتية وفق الرؤوية المجتمعية نعرض منهم اثنين في مقال الأتية”.
وهذه الوسيلة أكثر ما تستخدم مع الضعفاء كالأطفال، وبعض الكبار الذين يتجرأ عليهم الأقوياء، فيسخرون منهم في وجوههم، والأطفال أكثر من يعاني من ويلات هذه الوسيلة؛ إذ تلجأ أسر كثير إلى السخرية، وتلقيب الطفل بالألقاب النابية، لترغمه على ترك سلوك لا ترضاه، وعلى التصرف وفق ما طلبت منه من أصول، فالكل يعرف ما يلقب الولد الذي يبول في فراشه ليلاً، مع أن ذلك أمر لا إرادي لا يد للولد فيه، ثم ما أكثر الآباء والأمهات الذين يرددون (يا عيبه.. يا عيبه!) يعيبون على ولدهم حتى لا يعود إلى فعل فعله، لم يعجبهم.
هذه الوسيلة تحطم في الإنسان شعوره بكرامته، وقيمته، وثقته بنفسه، وبخاصة إن كان طفلاً.
إن السخرية والتعييب ليست تربية على الإطلاق؛ لأن التربية رعاية وحماية، أما السخرية والتعييب والتلقيب، فهي إيذاء وعدوان، وإذا ما زادت السخرية من الولد عن الحد، فإن ذلك قد يدفعه إلى التمرد على القيم كلها، وعلى عالم الكبار كله، فتكون بداية انحرافه وجنوحه.
والإسلام حرم السخرية، والتعييب، والتنابز بالألقاب، ولم يرخص في ذلك بحق الأطفال، فهم الأحق بالرعاية والحماية.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} }الحجرات:11{.
الاحتقار و الازدراء :
هذه هي الوسيلة الرابعة للضبط الاجتماعي في مجتمع التقاليد، فعندما يخالف شخص ما أعراف الناس، وتقاليدهم، يقلّ احترامهم له، وتذهب هيبته، وإن كانت مخالفته كبيرة عامله الناس باحتقار وازدراء واضحين، إلا إن كان جباراً يخشون أذاه.
وكما أن الأطفال هم أكثر ضحايا أسلوب التربية بالسخرية، والتعييب، والتلقيب، فإنهم للأسف يتلقّون الإهانات، والشتائم، والتحقير إذا ما أذنبوا.
وهذه الوسيلة للضبط الاجتماعي مرفوضة في الإسلام، سواء على المستوى الاجتماعي، أو المستوى الأسري، سواء في حق الكبار، أو في حق الصغار، فالإسلام حرم الكبر، والتعالي، وحرم تقديس الأشخاص، وقرر المساواة بين البشر، وقرر حداً أدنى من الكرامة لكل الناس، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}} الإسراء:70{.
ولم يأذن الإسلام بالإساءة إلى الكرامة ولا بالتحقير كعقوبة، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث متفق عليه: (إذا زنت الأَمَةُ فتبين زناها فليجلدها الحَدَّ ولا يُثَرِّب عليها، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحدّ، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر).
قال النووي مفسراً: (التثريب): التوبيخ (رياض الصالحين، الحديث 242).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – فيما رواه البخاري أنه قال: أُتيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم برجلٍ قد شرب خمراً فقال: (اضربوه) قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيدهِ، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان) (رياض الصالحين، الحديث 243).
فلا الزنى، ولا شرب الخمر يبرران الاعتداء على كرامة مسلم بتحقيره، وشتمه، والتعالي عليه.
فعن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: قلتُ يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابْكِ على خطيئتك) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
فمن منا بلا خطيئة؟
وقوله صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم) معروف لدى الكثيرين منا، فالمجتمع المسلم هو باختصار مجتمع الكرامة الإنسانية.
مواضيع مرتبطة
انكار المنكر وسيلة لبناء المجتمع السوي
متى تباح الغيبة بحسب الامام النووي
لديك كنز من المعلومات في قسم بنون، ويرتبط باساليب فهم و تربية الاطفال و المراهقين، اذا كان لديك ابن او ابنه في سن الطفولة أو المراهقة او قريب من سن المراهقة، فمن المهم ان تتطلع على هذا القسم و به الكثير من المقالات المكتوبة بقلم المفكر الاسلامي واستشاري الامراض النفسية الدكتور محمد كمال شريف الرابط هنا.
تنويه: الكلمات الملونة من كتابة محرر المقال وليس من نص مقال الكاتب..