تذهب نقاشات إلى اللغط حول “منافع وخسائر اقتصادية” مشروع السفر من مطار رامون الشبيه بباقي مشاريع “الأمر الواقع” منذ توقيع اتفاق أوسلو في 1993!
حالة ترهل تعيشها الحركة الوطنية منذ عقدين والوقائع تظهر يومياً مستوى التراجع والنكوص عما يفترض بأي حركة تحرر القيام به لمواجهة عنف الاحتلال.
الحركة الصهيونية الساعية لـ”أنسنة” الاحتلال لم تتوقف يوماً عن مشاريع ضمّ ونهب الأرض وتطهير فلسطين من شعبها بمشاريع بدائل باقية على طاولاتها بانتظار التطبيق.
المؤسف أن فصائل وتنظيمات ومؤسسات تعيش تحت سقف تركيز السياسة الرسمية على الأمن وغدت خلافة عباس أولوية تتجاوز مراجعة عميقة لمآلات كارثية تقاد إليها الحركة الوطنية.
* * *
بقلم: ناصر السهلي
تزايدت محاولات الاحتلال الإسرائيلي تسويق “السماح للفلسطينيين بالسفر من مطار رامون” (جنوب فلسطين المحتلة) باعتباره “تصرفاً إنسانياً”.
وبدل أن يُجابه في سياق مواجهة نظام الأبارتهايد، ومخالفة المحتل القانون الدولي واتفاقيات جنيف، وإحالة ملايين الفلسطينيين إلى مجرد “سكّان”، وليسوا شعباً يسعى إلى حقّه في تقرير مصيره على أرضه التاريخية، تذهب بعض النقاشات إلى اللغط حول “منافع وخسائر اقتصادية” من المشروع، الشبيه بباقي مشاريع “الأمر الواقع” منذ توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993.
الملاحظ، من بين مجمل السياسات الرسمية الفلسطينية لمواجهة مشاريع الاحتلال، حالة الارتباك والضعف التي تبديها سلطة رام الله، بإصدار بيان حكومي عن “مطار قلنديا” لا يقيم الاحتلال له وزناً، طالما يستمر في فرض دور السلطة، سواء قبلت أو رفضت لفظياً، تحت سقف “تقاسم وظيفي”.
فابتداع “تمديد سلطوي”، منذ انتخابات 2006، في الضفة وغزة، وركن منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها جانباً، لا يقرأه الاحتلال إلا من زاوية ضعف الحالة الفلسطينية، بل وتراجعها بشكل يتيح فرض مفهوم ما يسمى “السلام الاقتصادي”، بدفع من واشنطن وأنظمة التطبيع.
والحركة الصهيونية الساعية إلى “أنسنة” احتلالها لم تتوقف يوماً عن مشاريع ضمّ ونهب الأرض وتطهير فلسطين من شعبها، بمشاريع بدائل باقية على طاولاتها بانتظار التطبيق.
فكل الجهود المركزة على نزع قضية التحرر الوطني عن القضية الفلسطينية، وحصرها في خدمات لسكّان كانتونات، تدفع الاحتلال وداعميه لقراءة دور السلطة الفلسطينية من منظور التقاسم الوظيفي، وبمحاصرة تامّة لحل الدولتين، وجعل السيطرة على ملايين الفلسطينيين بأقل الخسائر، التي يدفعها عادة المحتلون.
في كل الأحوال، الفلسطينيون لا يحتاجون إلى مجلة “إيكونوميست”، كما ذهبت الأربعاء الماضي، لتحدثهم عن حالة الترهل التي تعيشها حركتهم الوطنية منذ عقدين. الوقائع على الأرض توضح يومياً مستوى التراجع، والركن جانباً لما يتوجب بديهياً على أي حركة تحرر القيام به لمواجهة عنف وصلف المحتلين.
بالطبع ثمّة أطراف فلسطينية كثيرة تدرك مخاطر فرض حلول كانتونات في كنف الأبارتهايد. لكن، من المؤسف أنها كفصائل وتنظيمات ومؤسسات تعيش تحت سقف تركيز السياسة الرسمية على الأمن، بل وجعل خلافة الرئيس محمود عباس أولوية تتجاوز الدعوة إلى وقفة ومراجعة عميقة للمآلات الكارثية التي تقاد إليها عموم الحركة الوطنية الفلسطينية.
فعربدة الاحتلال، في مناطق السلطة والداخل الفلسطيني، وإغلاق مؤسسات وبأوامر عسكرية احتلالية، وتوغل وإعدامات ميدانية، لن تتراجع طالما بقي التردد والارتباك سيّدي الموقف الرسمي والفصائلي.
* ناصر السهلي كاتب صحفي فلسطيني
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: