قالت الصين إنها لن تتخلى عن فكرة “إعادة التوحيد” بالقوة وتواصل مناوراتها في المضيق منذ زيارة بيلوسي.
يعرب المسؤولون الأميركيون عن اعتقادهم بأن “الوضع الجديد” الصيني يجب أن يقابل بردّ أميركي سريع.
ربما حضّ صقور الحزب الشيوعي الصيني الرئيس شي جِنبِنغ، على “إسقاط طائرة بيلوسي”، قبل أن تحط في مطار تايبيه.
المناورات سهّلت على أميركا رصد مكامن الضعف والقوة لدى الجيش الصيني لكن انتظار انتهاء “زوبعة الغضب” الصيني قد يطول.
لم تخرج المناورات الصينية رغم ضخامتها عن حدود استعراض القوة، لكنها تزيد على الواقع الجديد الذي فرضته إمكانية إقدامها على غزو تايوان لاستعادتها بالقوة.
هل تفرض الصين قواعد جديدة بمضيق تايوان كما تفعل في بحر الصين الجنوبي مما ستكون له انعكاسات سلبية على أمن تايوان والتجارة العالمية وهيبة أميركا أيضا؟
* * *
تحوّل الحديث عن “الوضع الطبيعي الجديد” الذي تحاول الصين فرضه في مضيق تايوان، بعد زيارة بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي إلى تايبيه، في 2 أغسطس/ آب الحالي، والمناورات الصينية غير المسبوقة في المضيق رداً على ذلك، إلى نقطة ارتكاز في كل التحليلات الغربية التي تناولت المناورات الصينية المستمرة، والتي اعتبرت واشنطن أخيراً أنها قد تكون ناجمة عن حسابات خاطئة للصين.
وبينما يرى البعض أن المناورات سهّلت على الولايات المتحدة رصد مكامن الضعف والقوة لدى جيش التحرير الصيني، فإن آخرين يعتبرون أن انتظار انتهاء “زوبعة الغضب” الصيني قد يطول، لتفرض الصين قواعد جديدة في المنطقة، كما تفعل في بحر الصين الجنوبي، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية على أمن تايوان والتجارة العالمية وهيبة أميركا أيضاً.
أوضاع جديدة في مضيق تايوان
ولا تزال الولايات المتحدة تراقب بـ”قلق”، ولكن بحذر، المناورات الصينية المستمرة في مضيق تايوان. وكان ربما صقور الحزب الشيوعي الصيني قد حضّوا قيادة بلادهم، الممثلة بالرئيس شي جِنبِنغ، على “إسقاط طائرة بيلوسي”، قبل أن تحط في مطار تايبيه.
لكن ذلك لم يحصل، وبعد إتمام زيارة بيلوسي، يبدو أن الولايات المتحدة ذهبت أيضاً باتجاه فرض “الوضع الجديد” مع توالي زيارات لأعضاء في الكونغرس إلى الجزيرة، وبدء محادثات تجارية مع تايوان.
ولم تخرج المناورات الصينية رغم ضخامتها عن حدود استعراض القوة، لكنها تزيد على الواقع الجديد الذي فرضته إمكانية إقدامها على غزو تايوان لاستعادتها بالقوة.
وكانت الصين أصدرت بالتزامن مع مناوراتها “الكتاب الأبيض” الثالث لمكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني، والأول في عهد شي للمسألة التايوانية. وأكدت الصين في الكتاب أنها لن تتخلى عن فكرة إعادة “التوحيد” بالقوة في حال فشل إعادة التوحيد السلمي مع الجزيرة.
وقال الكتاب إن الحزب الشيوعي الصيني تبنى في عهد شي “إجراءات جديدة ومبتكرة بما خصّ تايوان”، متحدثاً عن “نقطة جديدة للانطلاق باتجاه التوحيد”، والتي وصفها “بالوضع الطبيعي الجديد” لسياسة الصين حيال تايوان.
ويحمل الكتاب عنوان “المسألة التايوانية وإعادة توحيد الصين في الحقبة الجديدة”، ورأى متابعون أن عبارة الحقبة الجديدة تعني القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية التي اكتسبتها الصين.
وبحسب تقرير نشرته شبكة “سي أن أن”، أمس السبت، فإن هناك اعتقاداً بأن ما حصل يعزّز مخاوف عبّرت عنها بيلوسي ومسؤولين أميركيين آخرين، من أن بكين قد تستغل ردّها العسكري على الزيارة لتغيير الوضع القائم، وأن يصبح وجود المقاتلات والبوارج الحربية الصينية قرب الجزيرة عادياً.
وقالت وزارة الدفاع التايوانية أمس السبت إنها رصدت 17 طائرة و5 سفن صينية تعمل حول تايوان، موضحة أنها تشمل 4 طائرات عبرت خط الوسط في مضيق تايوان. وبين 8 أغسطس، اليوم الأخير الرسمي من المناورات، و16 أغسطس، عبرت بين 10 و21 مقاتلة جوية للقوات الجوية الصينية خط الوسط يومياً، وفق وزارة الدفاع التايوانية. وكان أكثر يوم تعبر فيه المقاتلات الجوية في 5 أغسطس (30 مقاتلة).
واشنطن تحتاج إلى مقاربات جديدة
ويؤكد محللون، صينيون وغيرهم، أن هذه الطلعات ستصبح روتينية لاختبار صبر تايوان والدول الداعمة لها. واعتبر المحلل الصيني في موقع “غوانغشا. سي أن”، شين فينغ، في تصريح لـ”سي أن أن”، أن الطلعات الجوية التي تخرق خط الوسط “تحضر جيش التحرير الصيني لتنفيذ ضربة سريعة إذا ما قرّر ذلك”، مؤكداً أن “المناورات العسكرية التي تحاكي معارك حقيقية أصبحت هي الوضع الجديد”.
ويعرب المسؤولون الأميركيون عن اعتقادهم بأن “الوضع الجديد” الصيني يجب أن يقابل بردّ أميركي سريع. ويقول منسق البيت الأبيض لشؤون منطقة الهادئ والهندي، كورت كامبيل، إن القوات الأميركية ستستخدم أحد تكتيكاتها الروتينية، وهي دوريات حرية الملاحة في مياه المنطقة، والتي تتضمن أيضاً طلعات جوية.
واعتبر قائد قوات البحرية الأميركية المتمركزة في اليابان، كارل توماس، إنه لا يمكن غضّ النظر ليصبح الوضع مطبّعاً كما في مياه بحر الصين الجنوبي، حيث تزداد استفزازات الصين وتحركاتها العدوانية.
وأعربت بوني لين، مديرة “مشروع قوة الصين” في “مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية” الأميركي، أن مناورات الصين ستصعّب التنبؤ بخطواتها المقبلة، وذلك في تقرير نشر في موقع “وور أن ذا روكس” أخيراً.
وبرأيها، فإن هذه المناورات “تطّبع العمليات العدوانية الصينية بالقرب من تايوان، وتخلق توقعات أكبر داخل الصين لرد أقوى مستقبلاً، وتؤمن الخبرة للجيش الصيني، وتجعل من الصعوبة فهم نوايا الصين، وهي كلها تداعيات من شأنها إضعاف أمن تايوان”.
ورأت لين أن السؤال الأساسي بالنسبة لواشنطن اليوم هو كيفية وقف ذلك، ومنها مثلاً أن يتمّ اعتراض الطائرات الصينية التي تجتاز خط الوسط، وأن تستثمر تايبيه أكثر لتعزيز قدراتها، وأن تطوع مع واشنطن مقاربتها للتحذيرات الاستراتيجية، لرصد المؤشرات التي تفرّق بين المناورة والتحضر للغزو.
ورأت أن وزارة الدفاع الصينية، في 2022، كانت جاهزة للقتال، وأن مسرحي القيادة للجيش الصيني، القطاع الغربي والقطاع الجنوبي، كانا موضوعين بحالة تأهب قصوى، لكن لا تايوان ولا القوات الأميركية تحدتا المناورات.
حتى إن وكيل وزارة الدفاع الأميركية للسياسة، كولين كال، قال إنه لا يتوقع أن تقوم الصين بغزو تايوان خلال العامين المقبلين. ولكن بغض النظر عن ذلك، فقد حذّرت بوني لين من أن “الوضع الجديد” سيعمق الجمود في مضيق تايوان، وقد بدأت الصين بتمييع سيادة تايوان وسيطرتها على مياهها وأجوائها.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: