الخشية حقيقية من تكرار اقتحام الكونغرس، أو ما شابه ذلك، قبل موعد الانتخابات الرئاسية 2024.
ترامب لن يتقبل الخسارة، لذلك فقد يستخدم كل أوراقه وأقواها حزب جمهوري منصاع وشارع مطواع له ومستعد للعنف.
مداهمة إف بي آي المفاجئة لم تكن في الحسبان، خلطت الأوراق والحسابات، ترامب يخوض معركة سياسية قانونية قد تكون الأخيرة.
احتمالات العنف قائمة وجدّية بحسب تحذيرات جهات أمنية.. التهمة أنّ إف بي آي تعمّد “تلفيق” العملية للانقضاض على ترامب لتصفية حسابات سياسية.
حسم ترامب زعامته للحزب الجمهوري وقطع الطريق على أي منافس له داخله. وثمة من بين قيادات الجمهوريين المناوئين ضمناً لترامب منْ يخشى هذا السيناريو.
* * *
عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ليحتل المسرح السياسي بعد الاقتحام الأخير من مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لمقرّ إقامته في مارآلاغو في فلوريدا، مساء الاثنين الماضي، ليجد نفسه في مواجهة فاصلة مع القانون، إما أن تسعفه على تجديد صعوده وحسم زعامته للحزب الجمهوري، وإما أن تقوده إلى بداية نهاية مسيرته وخروجه الأخير من المشهد السياسي. وفي الحالتين، الرحلة طويلة ومكلفة وربما أخطر وأدهى من هزة انتخابات 2020، كما يحذر المتخوفون.
أول مكسب حققه ترامب من هذه العملية تمثل في التفاف كاسح للجمهوريين حوله. شمل ذلك حلفاءه في الكونغرس ومنابر إعلامية والقاعدة الانتخابية المحافظة المؤيدة له، والتي رأت في المداهمة اعتداء استفزازياً على رئيس جمهوري.
نارية ردود هذه الجهات أثارت موجة تهديدات بالنزول المسلّح إلى الشارع وباستهداف عناصر “إف بي آي”، مع المطالبة بوقف تمويل هذا الجهاز الذي يعتبر الأداة الأمنية الأهم والأكثر فعالية وخبرة في أميركا.
حتى اللحظة، لم يحصل شيء من هذا القبيل ولا حتى تظاهرة واحدة. لكن احتمالات العنف قائمة وجدّية، بحسب تحذيرات الجهات الأمنية. التهمة أنّ الجهاز تعمّد “تلفيق” العملية للانقضاض على الرئيس السابق لتصفية حسابات سياسية، عبر تلبيسه جريمة تفضي إلى محاكمته وإنزال عقوبة جنائية بحقه.
المعروف غير المجادل به أنّ “إف بي آي” حصل، كالعادة في حالات المداهمة، على إذن مسبق من القضاء الفيدرالي المختص في الولاية، يجيز تفتيش الإقامة. والمعروف أيضاً أنّ القضاة لا يصدرون مثل هذه الموافقة إلا بعد أن يستوفي طلب الإذن الشروط الموجبة لجهة توفر الحيثيات القانونية والجرمية التي تستدعي المداهمة.
وفي هذه الحالة، يصار إلى تبليغ الجهة المستهدفة بمضمون الأمر القضائي الذي استند على ما يبدو إلى ما “اقتنع” القاضي به بأنّ الرئيس الجمهوري السابق نقل إلى منزله بعد انتهاء ولايته “وثائق تحتوي على معلومات سرية تتصل بالأمن القومي” بدل أن يسلمها إلى مؤسسة الأرشيف الوطني قبل مغادرته البيت الأبيض، باعتبارها ملكاً للدولة.
وهذا مخالف للقانون ويرقى إلى مستوى جريمة جنائية، إذا كان قد حصل. وعلى هذا، سمح القاضي بتفتيش “محدود” لا يشمل كافة أرجاء إقامة ترامب، وعلى أن يجرى في “وضح النهار”.
حتى اللحظة، لم يكشف ترامب عن محتويات الصناديق الـ12 التي صادرها عناصر “إف بي آي” من بيته، ولا كشف عن حيثيات الأمر القضائي الذي تبلّغه والذي أجاز العملية التي جرت استناداً إلى وشاية “مخبر سري” بحسب إحدى الروايات، أو على أثر انسداد المفاوضات مع محامي ترامب حول استعادتها، حسب رواية أخرى.
سكوت ترامب بخصوص حقيقة الوثائق التي استُرجعت يرجح كفة المخالفة. يعزز هذا الاحتمال في اعتقاد الكثيرين أنّ وزير العدل ميريك غارلاند، المعروف بقدراته القانونية و”التأني والدقة”، ما كان ليقدم على خطوة غير مسبوقة من هذا العيار لو لم يكن على يقين من توفر المسوّغ الكافي. فلم يحصل أن جرى من قبل تفتيش منزل رئيس أميركي سابق، وبالتالي لا بد أنّ الوزير كان لديه ما يجيز كسر القاعدة.
لكن تصاعد الضجة أدى إلى تزايد الضغوط على الوزير لكشف محتويات الوثائق التي صودرت من منزل ترامب، لتبيان ما إذا كانت محتوياتها تجيز المداهمة. المشكلة أنّ وزير العدل لا يقوى على ذلك إذا كانت الوثائق سرية، وإذا لم تكن كذلك، فقد تتحول إلى كارثة سياسية للديمقراطيين في انتخابات الكونغرس النصفية القريبة، في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وثمة مخاوف من هذا الاحتمال، فغارلاند سبق أن وعد بفتح تحقيق جنائي “لو توفرت الشروط” عن دور ترامب في اقتحام الكونغرس في يناير/ كانون الأول 2021، وذلك بعد أن توصلت لجنة التحقيق النيابية إلى خلاصات تعزز “الشبهات” بهذا الخصوص. الخشية حتى في صفوف الديمقراطيين أن تكون وزارة العدل قد انتقلت إلى موضوع الوثائق كبديل لملاحقة ترامب، بعد أن تبينت لها صعوبة ملاحقته بقضية الاجتياح.
الشكوك كثيرة قدر كثرة الالتباسات المحيطة بالعملية، التي نجح ترامب حتى الآن في توظيفها لصالحه من زاوية تصوير نفسه ضحيةً لعملية استهدفته بها “الدولة العميقة”.
ويبدو أنّ ترامب مستمر في هذا التوظيف طالما بقيت وزارة العدل متكتمة على الحقيقة، ربما بسبب سرية الوثائق، ليبني عليه مظلومية قد يعلن على أساسها، وفي وقت غير بعيد، ترشحه للانتخابات الرئاسية 2024.
بذلك يكون قد حسم زعامته للحزب الجمهوري وقطع الطريق على أي منافس له داخله. وثمة من بين قيادات الجمهوريين المناوئين ضمناً لترامب منْ يخشى هذا السيناريو.
لكن المراهنة على أن يكون في جيب غارلاند ما ينسف هذا الاحتمال وفي الوقت القريب. بالإضافة إلى ذلك، يراهن على اقتراب مواعيد صدور أحكام قريبة ضد ترامب في عدة دعاوى مدنية وانتخابية ومالية تنظر فيها المحاكم في أكثر من ولاية.
ويوم الأربعاء، حضر ترامب أمام إحداها في نيويورك، لكنه تلطى بنص دستوري يمنح المتهم “حق عدم تجريم نفسه”، وبالتالي الامتناع عن إعطاء إفادته. تهربه بهذه الطريقة عزز الشكوك ضده.
وكانت محكمة فيدرالية أخرى قد قضت قبل يومين بوجوب انصياعه واطلاع الكونغرس على بياناته الضريبية التي تكشف حقائق تعاملاته المالية وتسديداته الضريبية التي طالما رفض الكشف عنها.
المداهمة المفاجئة لم تكن في الحسبان، خلطت الأوراق والحسابات. ترامب يخوض معركة سياسية – قانونية قد تكون الأخيرة. ولأنه لن يتقبل الخسارة، فقد يستخدم فيها كل أوراقه، وأقواها حزب جمهوري منصاع وشارع مطواع له ومستعد للعنف، والخشية حقيقية من تكرار اقتحام الكونغرس، أو ما شابه ذلك، قبل موعد الانتخابات الرئاسية 2024.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: