في أرض المطبعين لا يرف لهم جفن وهم يرون الأيادي التي صافحوها تلغُ في دماء الضحايا من الفلسطينيين؟
شياطين الصهيونية تحكم هذا العالم.. تحكم كل جوانب السياسة والمال والسلاح والعلاقات الدولية والأرض العربية.
لم يُستدع سفير صهيوني واحد، لم تقطع علاقة، لم يصدر تهديد، لم يدع أحد إلى مقاطعة البضائع والشركات والاستخبارات الصهيونية.
ما الذي بقي من تكوين العالم مما يسمى مدنية أو حضارة أو قيما أخلاقية رفيعة أو قوانين دولية تنظم الحياة البشرية فوق هذا الكوكب المريض المحتضر؟
يا أرواح أطفال غزة وأبطالها في ملكوت السماوات والأرض لا تغفري لمن تفرجوا وسكتوا وآثروا جشعهم على عذاباتكم وآلامكم ونكسوا رؤوسهم أمام الكيان الصهيوني بذلة وأياد قذرة مرتعدة.
* * *
بقلم: علي محمد فخرو
إذا كانت مشاهد أطفال غزة وهم يبكون لموت آبائهم وأمهاتهم أمام أعينهم، وإذا كانت مشاهد فتيات غزة البريئات العفيفات وهن يحتضن بعضهن بعضا هلعاً وخوفاً من أصوات القصف الصهيوني فوق مساكنهن، إذا كانت مشاهد الدمار الهائل في شوارع غزة المحاصرة الجائعة المحاربة ببطولة، عدواً همجياً متوحشاً بلا ضمير بشري ولا حتى إحساس حيواني، وإذا كان الصهاينة الهمج يدخلون يومياً المسجد الأقصى ويعبثون بمحتوياته ويدنسون أرضه.
إذا كان كل ذلك قد حدث أمام أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، وأمام دول غربية تثرثر يومياً، بنفاق وكذب، بشأن حقوق الإنسان والأخوة الإنسانية، وأمام مجتمعات عربية متثائبة ببلاهة يعجز الإنسان عن وصف تفاهتها، فلا يكون رد الفعل أكثر من بيانات روتينية بتعبيرات ممجوجة مضحكة تصدر من هذه الجهة أو تلك!
فما الذي بقي من تكوين هذا العالم مما يستحق أن يسمى مدنية أو حضارة أو قيما أخلاقية رفيعة أو قوانين دولية تنظم الحياة البشرية فوق هذا الكوكب المريض المحتضر؟
ما الذي يمكن قوله بشأن تصريح لرئيس مخرف عندما يرى كل تلك المشاهد المأساوية، ومع ذلك لا يخجل أن يقول بأن بلاده الاستعمارية المجنونة تؤيد دفاع الكيان الصهيوني عن نفسه، وهو المدجج بكل أسلحة الدمار الشامل، بينما يتجاهل كلياً الضحية المدمرة الجريحة في غزة، فلا يقول كلمة واحدة من التعاطف الإنساني بحقها وبحق أطفالها المفجوعين؟
ماذا يقول الإنسان بشأن الغياب الكامل لرد فعل عربي أو إسلامي تجاه ذلك التصريح الخبيث المنحاز المعبر عن كل رذيلة في الدنيا؟
ماذا يقول الإنسان عن ردود الأفعال الباهتة الخائفة للجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي ومجلس الاتحاد المغاربي ومنظمة التعاون الإسلامي وهيئة الأمم وغيرها بشأن الجرائم الصهيونية المتكررة اليومية المستهزئة بالعالم كله تجاه قرى الفلسطينيين وسكان فلسطين وتجاه النهب الممنهج لما بقي من أرض فلسطين؟
ماذا يقول الإنسان عن عدم خروج ولا مظاهرة واحدة في أرض العرب، وعلى الأخص في أرض المطبعين، الذين لا يرف لهم جفن وهم يرون الأيادي التي صافحوها تلغُ في دماء الضحايا من الفلسطينيين؟
كل أولئك المسؤولين وكل تلك الجهات لم تفعل أكثر من إصدار تصريح احتجاجي يطالب بالهدوء والرجوع إلى المفاوضات العبثية القائمة على الكذب والخداع والكلمات المعسولة وغرز الخناجر في خاصرة الشعب الفلسطيني.
لم يُستدع سفير صهيوني واحد، لم تقطع علاقة، لم يصدر تهديد، لم يدع أحد إلى مقاطعة البضائع والشركات والاستخبارات الصهيونية.
كل ما رأيناه وسمعناه هو منظر موت الضمير والالتزام الإنساني والمشاعر القومية العروبية والأخوة الإسلامية والتضامنية المسيحية الإسلامية، والسخف الوجودي لمجلس الأمن الدولي وقهقهات كراسي مجلس حقوق الإنسان الدولي الخالية من الجالسين والواقفين.
كل ذلك كان منظراً للقبور وشياطين القبور.. لم يكن منظراٌ للأرض التي أرادها الله سكناً ولا منظراً للإنسان الذي أراده الله أن يتعارف وأن يتقي. كانت شياطين الصهيونية هي التي تحكم هذا العالم. تحكم كل جوانب السياسة والمال والسلاح والعلاقات الدولية والأرض العربية باسم إبليس الذي تسمع قهقهاته في كل جوانب كوكب الأرض المدنسة.
يا أرواح أطفال وأبطال غزة الهائمة في ملكوت السماوات والأرض، لا تغفري قط لمن تفرجوا وسكتوا وآثروا جشعهم على عذاباتكم وآلامكم ووقفوا أمام الكيان الصهيوني برؤوس منكسة ذليلة منحنية وأياد قذرة مرتعدة.
يا تلك الأرواح إلعني الذين خانوا الأمانة والوعود والذين تخلوا عن كل التزام إنساني وقومي وديني، ثم ناموا في فراشهم قريري العيون مع جيفة ضمير مات.
يا شهداء غزة، مرة تلو المرة، ببطولة الإيمان والصبر، لتسكنكم يد الرحمن الرحيم العادل جنات الخلد،
ولتسكن يد الله المنتقم العادل كل فاجر ظالم قاتل في نار جهنم وبئس المصير.
يا رب الكون لم يبق عندنا إلا الدعاء والرجاء بعد أن أصبح هذا العالم أصم لا يسمع أنين المهمشين والمظلومين وضحايا الغدر، ولكنه يزغرد مع ضحكات الظالمين الجشعين في فلسطين المحتلة.
* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني
المصدر: الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: