لماذا يرتفع الدولار وحده دون سواه من العملات الرئيسية والسلع الأساسية؟
ما هي إذن القيمة الحقيقية للدولار الأمريكي وما هو الحجم الحقيقي للطلب عليه حالياً؟
إذا كان الدولار الأمريكي يفقد قيمته بالفعل، فلماذا ينخفض اليورو مقابل الدولار الأمريكي؟
يعود ارتفاع الدولار لتحول الاحتياطي الفيدرالي من تصفير سعر الفائدة إلى رفع معدلاتها في حين استمر بنك اليابان في سياسة أسعار فائدة سالبة لمنع الركود.
تهاوى اليورو أمام الدولار على خلفية خسائر دول الاتحاد الأوروبي نتيجة حرب أوكرانيا التي أدت لارتفاع أسعار الغذاء والنفط والغاز وكذا الحال للين الياباني.
ينخفض اليورو نتيجة خضوع الاتحاد الأوروبي لأمريكا في حربها بالوكالة مع روسيا فأصبحت صادرات الاتحاد الأوروبي أكثر كلفة بسبب ارتفاع هائل لتكاليف الطاقة.
* * *
بقلم: محمد الصياد
تراجعت أسعار المعادن الأساسية الأكثر استخداماً صناعياً: النحاس والرصاص والنيكل والقصدير والألمنيوم والزنك، بنسبة 11% و6.8% في شهري مايو ويونيو الماضيين، بعد انخفاضها أيضاً في شهر أبريل الماضي بعد أن سجلت ارتفاعاً قياسياً في شهر مارس 2022، وذلك بسبب تدهور سريع في آفاق الطلب، وتشديد السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية الكبرى، وتجديد عمليات إغلاق فيروس كورونا في الصين، والحرب الروسية الأوكرانية، وتزايد التحذيرات من حدوث ركود عالمي.
الأمر لا يقتصر على السلع، فالعملات الرئيسية أيضاً تضررت من الغيوم الداكنة التي تظلل الاقتصاد العالمي منذ تفجر الأزمة بين روسيا والناتو.
اليورو، وهو ثاني عملة احتياط عالمية بعد الدولار، تهاوى أمام الدولار، وتساوى معه في سعر الصرف، على خلفية الخسائر التي منيت بها بلدان الاتحاد الأوروبي نتيجة حرب أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وأسعار النفط والغاز، كذلك الحال بالنسبة للين الياباني مقابل الدولار.
الذهب أيضاً لا تكاد هوامشه تتحرك إلا بمقادير ضئيلة جداً توازياً مع حركة الدولار الأمريكي، في تبادل غريب وعجيب للمراكز (علاقة عكسية)، بين سلعة مادية تنتمي للمعادن النفيسة ذات القيمة الاستعمالية العالية والمتعددة، والتي يفترض أنها الملاذ الأخير للمستثمرين (الأمر يتعلق بالذهب)، وبين سلعة ورقية تقليدية (Fiat money) لا قيمة لها سوى تمتعها بغطاء مُصدرها (الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي) غير الملزَم بتأمين غطائها المادي (الذهبي أو السلعي). على سبيل المثال فقط، ارتفعت أسعار الذهب يوم الاثنين 18 يوليو 2022 مع انخفاض الدولار بصورة طفيفة (0.3%).
فلماذا يرتفع الدولار دون سواه من العملات الرئيسية والسلع الأساسية؟
كثيرة هي المسوغات التي يمكن أن يسوقها الاقتصاديون والمشتغلون في قطاعات المال والأعمال. إنما، بالنسبة للوضع الحادث حالياً، يمكن أن يعزى ارتفاع الدولار إلى تحول مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من سياسة صفر سعر فائدة إلى بدء رفع معدلاتها بصورة متواترة، في حين استمر بنك اليابان في سياسته التي تعتمد على أسعار فائدة سالبة (-0.1%) للحيلولة دون الوقوع في الركود.
الأكثر إثارة، أنه رغم أن أمريكا تضطلع فقط بنحو 10٪ من التجارة العالمية، إلا أن 85% من تسويات التجارة العالمية تتم بالدولار الأمريكي. وهذا سبب كافٍ، بطبيعة الحال، لخلق طلب مستمر على الدولار الأمريكي، الأمر الذي يوفر دعماً هائلاً للدولار قياساً بالعملات الأخرى.
ومن أهم هذه التسويات، تسوية مدفوعات النفط التي تتم بالدولار، ما يجبر الدول والشركات على تشكيل طلب دائم على الدولار لدفع ثمن مشترياتها من النفط. يضاف إلى ذلك أن هذه البترودولارات كانت تذهب في الأساس كودائع إلى بنوك «وول ستريت» في نيويورك و«لومبارد ستريت» في سان فرانسيسكو.
وهو ما أمّن لأمريكا قدرتها على تمويل إنفاقها العجزي لما يقرب من خمسة عقود من دون أن تتأثر القوة الشرائية للدولار.
لكن امتياز الدولار (باعتباره عملة العملات العالمية)، بدأ يتعرض للاختراق، سواء من خلال هيكلة الصين لقروض تمويل مشروعاتها المتصلة بمبادرة حزام واحد طريق واحد، باليوان الصيني، أو من خلال إعلان روسيا مؤخراً تقويم مبيعاتها من الغاز إلى الدول التي صنفتها على أنها غير صديقة، بالروبل الروسي.
المفارقة هي أن أمريكا نفسها هي التي عجّلت بخسارة هذه الهيمنة، عندما استولت بشكل غير قانوني في شهر فبراير الماضي على الاحتياطيات الدولارية لروسيا، ما أظهر بشكل قاطع لبقية العالم أن سيادة الاحتياطيات المحتفظ بها بالدولار الأمريكي هي مجرد وهم.
إنما إذا كان الدولار الأمريكي يفقد قيمته بالفعل، فلماذا ينخفض اليورو مقابل الدولار الأمريكي؟
هو ينخفض نتيجة لخضوع الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة في حربها بالوكالة مع روسيا. فلقد أصبحت صادرات الاتحاد الأوروبي أكثر كلفة بسبب الارتفاع الهائل في تكاليف الطاقة، وذلك بالتوازي مع تحرك الحكومات في جميع أنحاء العالم لإعادة توازن احتياطياتها الأجنبية تحسباً لاضطراب وشيك في الاتحاد الأوروبي.
ما هي إذن القيمة الحقيقية للدولار الأمريكي وما هو الحجم الحقيقي للطلب عليه حالياً؟
تذهب بعض التقديرات إلى أن قيمة الدولار لا تتجاوز 30% من قيمته الحالية. وهذا يعني أن كلفة الواردات الأمريكية يُفترَض أن تزداد ثلاثة أضعاف. بما يعني على سبيل المثال، أن السيارة المستورَدة التي تبلغ كلفتها 30 ألف دولار، يُفترض أن تبلغ قيمتها الآن 100 ألف دولار.
* د. محمد الصياد كاتب اقتصادي بحريني
المصدر: الخليج – الدوحة
موضوعات تهمك: