لا بد للمقاومة من البحث عن الثغرات الميدانية والتعبوية ومعالجتها فهي خطيرة ومقلقة.
لبيد كان قلقا من تصعيد يقلب الطاولة رأسا على عقب ويحول الإنجاز الانتخابي إلى هزيمة مجددا.
المواجهة الأخيرة عكست تطورا كبيرا في الأداء الاستراتيجي للمقاومة الذي يحتاج لترسيخ ونقد وتطوير في الآن ذاته.
الفلسطينيون بحاجة لتفكير نقدي لتطوير استراتيجيات باتت أشد تعقيدا وتطورا من ناحية ميدانية وسياسية وإعلامية.
لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهداف استراتيجية من المواجهة: فالفصل بين الضفة والقطاع فشل؛ وبين حماس والجهاد كذلك فشل.
أكد رئيس جهاز الشاباك على ضرورة وقف العدوان خشية ارتكاب أخطاء فالحكومة بزعمه حققت أهدافها من العدوان بل و وأكثر مما كانت تتوقع.
قبول الكيان الصهيوني بالهدنة وعدم تحقيقه أهدافا استراتيجية واكتفائها بأهداف انتخابية وصور دعائية لا يعني غياب المراجعة والنقد لمسار المواجهة ووقائعها فلسطينيا.
معركة توحيد الساحات من أهم المواجهات التي خاضها الشعب والمقاومة الفلسطينية واكثرها تعقيداً وتطورا؛ وتحتاج مراجعات نقدية وفكرية واستراتيجية وتكتكية لرسم ملامح المواجهة المقبلة.
* * *
بقلم: حازم عياد
أبدى رئيس وزراء الاحتلال يائير لبيد قدرا كبيرا من الحماسة لوقف العمليات العسكرية لجيش الاحتلال بعد أن تمكن من استهداف اثنين من كبار قادة سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
لبيد كان قلقا من تصعيد يقلب الطاولة رأسا على عقب ويحول الإنجاز الانتخابي إلى هزيمة مجددا؛ قلق عززته تقديرات رئيس جهاز الشاباك رونين بار خلال اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) المصغر مساء الأحد؛ إذ أكد على ضرورة وقف العدوان خشية ارتكاب أخطاء؛ فالحكومة حققت أهدافها من العدوان بل و وأكثر مما كانت تتوقع بحسب زعمه.
الحماسة التي أبداها لبيد والخشية من انضمام حركة حماس للمواجهة وقلب النتائج الميدانية أفضت لوقف سريع لإطلاق النار؛ وفق شروط تسمح بإطلاق سراح الأسير الإداري خليل العواودة وضمانات مصرية بالعمل على إطلاق سراح القيادي بسام السعدي الأمر الذي أكدت فيه قيادة الجهاد الإسلامي عزمها العودة للقتال في حال عدم تنفيذه دون ان تحدد مدة لذلك.
بهذا المعنى لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهداف استراتيجية من هذه المواجهة؛ فالفصل بين الضفة والقطاع فشل، وبين حماس والجهاد كذلك فشل، وهو ما عجزت وسائل الإعلام عن تسويقه لوجود تنسيق عال أشرفت عليه غرفة العمليات المشتركة؛ وهو ما انعكس على شكل ضغوط قوية من قادة الأجهزة الأمنية لإنهاء المعركة.
مظلة الردع التي وفرتها حماس ضغطت على أعصاب قادة جيش الاحتلال؛ وأسهمت الى حد كبير في إدارة المعركة من خلال وضع خطوط حمراء منعت الاحتلال من استهداف البينة التحتية وقيدت هجماته على المدنيين الى حد كبير رغم ارتقاء اكثر من أربعين شهيدا و400 جريحاً واكثر من 1600 منزلا متضرراً منها اكثر من 70 لم تعد صالحة للسكن.
الذهاب إلى الهدنة وعجز الكيان الصهيوني عن تحقيق اهداف استراتيجية واكتفائها بتحقيق أهدف انتخابية وإنجازات وصور دعائية لكل من غانتس ولبيد وكوخافي؛ لا يعني غياب المراجعة والنقد لمسار المواجهة ويومياتها فلسطينيا؛ فاستشهاد اثنين من كبار قادة الجهاد (تيسير الجعبري وخالد منصور) يحتاج لوقفه تأمل حقيقية حول الكيفية التي تمكن الاحتلال فيها من تحقيق أهداف كبيرة خلال أقل من 48 ساعة؛ لا بد للمقاومة من البحث عن الثغرات الميدانية والتعبوية ومعالجتها فهي خطيرة ومقلقة .
من ناحية أخرى فان انشغال كثير من المحللين والمثقفين والمفكرين بخطورة الفصل بين الجهاد وحماس مشروع من ناحية نظرية خصوصا أن المعلومات المتوفرة خلال المواجهة كانت محدودة ما يفتح الباب لمعركة إعلامية وسياسية تحتاج إلى إدارة لرد هذه الشبهات وكشف الحقائق دون إخلال بالهدف الاستراتيجي وهو استنزاف العدو الصهيوني .
فرغم أن مراكز البحوث الإسرائيلية والغربية أدركت مبكرا الدقة والذكاء والخبرة في إدارة المعركة؛ إلا أننا لم نشهد مثيلا لذلك في وسائل الإعلام العربية والمحلية؛ إذ أدرك الكثير من الباحثين الإسرائيليين مغزى الفصل بين حماس والجهاد الإسلامي سياسيا وامنيا وعسكريا وخطورته على الكيان الصهيوني؛ باعتباره يهدف لتجنب مواجهة واسعة تضر بالأهداف الانتخابية والضيقة لأعضاء الكابينت الحكومي المصغر وليس لأهداف استراتيجية.
وذهب باحثون وخبراء للتحذير من أن الفصل بين حماس والجهاد بمثابة إقرار بقوة حماس الضاربة؛ والاهم أن له مخاطر كبيرة إذ يفتح الباب لحرب عصابات، تذكر بما كان تقوم به فيتنام الشمالية في دعم منظمة “فيت كونغ” في فيتنام الجنوبية؛ والتي تخللها مواجهات انتقلت بين الحين والآخر إلى الشمال بل وإلى لاوس وكمبوديا .
مخاطر كبيرة حذر منها باحثون وخبراء صهاينة فقد ذهب الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن الإسرائيلية، عاموس غلعاد، ورئيس قسم الدراسات الفلسطينية بمعهد السياسة والإستراتيجية في جامعة “رايخمان”، ميخائيل ميلشتاين، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” أمس الأحد إلى القول:
“يجب النظر بشكل نقدي إلى الفصل الذي تمارسه إسرائيل بين الجهاد الإسلامي وحماس، التي تحكم غزة والمسؤولة عن الحفاظ عن الهدوء في إطار تهدئة، وتقف الآن على الحياد بدلا من فرض سيادتها”. وفي المقابل فإن الفلسطينيين بحاجة لتفكير نقدي لتطوير الاستراتيجيات التي باتت اشد تعقيدا وتطورا من ناحية ميدانية وسياسية وإعلامية.
ختاما .. معركة توحيد الساحات أو ما أسماه الاحتلال معركة “طلوع الفجر” من اهم المواجهات التي خاضها الشعب والمقاومة الفلسطينية واكثرها تعقيداً وتطورا؛ تحتاج إلى مراجعات نقدية وفكرية واستراتيجية وتكتكية لأهميتها في رسم ملامح المواجهة المقبلة؛ فالمواجهة عكست تطورا كبيرا في الأداء الاستراتيجي للمقاومة الذي يحتاج لترسيخ ونقد وتطوير في الآن ذاته.
* حازم عياد كاتب وباحث سياسي
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: