اعتمد لبنانُ قانونَ السرية المصرفية منذ 1956، بهدف جذب التدفقات المالية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
أقر مجلسُ النواب اللبناني مؤخرا مشروعَ قانون معجل يتعلق بتعديل بعض مواد قانون السرية المصرفية الذي لطالما وفّر الحمايةَ للفاسدين والمختلسين.
أضعف قانون السرية المصرفية المواطنة الضريبية وعزز الفساد والإفلات من العقاب، وشجَّعَ التهرب الضريبي وانعدام المساواة وأعاق التحقيقات بقضايا الجرائم المالية.
بلغ متوسط اقتصاد الظل في لبنان 15.8 مليار دولار في 2015 وفق صندوق النقد، ويعادل 31.6% من الناتج المحلي البالغ 50 مليار دولار، لكنه تجاوز نسبة 50% عام 2020.
تحذيرات أميركية شديدة من مخاطر عمل مصارف لبنان في ظل «اقتصاد النقد الورقي» وعدم اتخاذ إجراءات تمنع تسرب «أموال غير مشروعة» إلى النظام المالي العالمي.
تقدّر التحويلات المالية إلى لبنان بنحو 21 مليار دولار سنوياً منها 7 مليارات تتم عبر القنوات الرسمية، و14 مليار دولار تدخل نقداً، لا تمر بمصارف أو مراكز تحويل الأموال ومنها أموال غير شرعية.
* * *
بعدما اقترب لبنانُ دولياً من مرحلة «العزلة الشاملة»، نتيجة تزايد مخاطر التعامل معه من نواح عدة، منها مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أقر مجلسُ النواب الثلاثاء الماضي مشروعَ القانون المعجل المتعلق بتعديل بعض مواد قانون السرية المصرفية الذي لطالما وفّر الحمايةَ للفاسدين والمختلسين.
وذلك تنفيذاً لشروط الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، حيث لم يعد هذا البلد، كما كان، ملاذاً آمنا للأموال التائهة أو الخارجة عن الشرعية الدولية.
وهذا مع الإشارة إلى أنه وفْقَ أرقام المؤسسة الدولية للمعلومات، يقدّر حجم التحويلات المالية الفعلي إلى لبنان بنحو 21 مليار دولار سنوياً، منها فقط 7 مليارات تتم عبر القنوات الرسمية، في حين هناك 14 مليار دولار تدخل نقداً، ولا تمر عبر المصارف أو مراكز تحويل الأموال، ومعظمها أموال غير شرعية.
ويزورُ لبنانَ حالياً وفدٌ من مجموعة العمل المالي، وهي منظمةٌ حكومية دولية، مهمتها تتركز على وضع المعايير الدولية لأنشطة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، تمهيداً لتصنيف الدول غير المتمثلة لهذه المعايير ضمن اللائحة السوداء، بما يفرض عليها تطبيقَ تدابير صارمة لحماية النظام المالي العالمي.
وتتخوف مصادر مصرفية من إدراج اسم لبنان على هذه اللائحة، خصوصاً بعد تحذيرات شديدة اللهجة من وكيل وزارة الخزانة الأميركية، برايان نيلسون، حول مخاطر عمل المصارف اللبنانية في ظل «اقتصاد النقد الورقي» وعدم اتخاذها ما يكفي من إجراءات للحؤول دون استخدامها لتسريب «الأموال غير المشروعة» إلى النظام المالي العالمي.
ومع أن «الاقتصاد الموازي» ظاهرةٌ عالميةٌ غير محصورة في بلد معين، فإنه يتضخم في لبنان بشكل غير مسبوق. وإذا كان المعدل الوسطي لاقتصاد الظل بلغ 15.8 مليار دولار في عام 2015، وفق أرقام صندوق النقد، ويعادل 31.6% من الناتج المحلي المقدر بنحو50 مليار دولار، فإنه تجاوز نسبة الـ50% عام 2020، وفق تقديرات البنك المركزي.
ومع تراجع الناتج المحلي إلى 18 مليار دولار في عام 2021، نتيجة الانهيار المالي، تضاعفَ حجم الاقتصاد الموازي، أو ما يسمى «الاقتصاد الأسود»، إلى أكثر من 36 مليار دولار حالياً، أي ما يعادل ضعف حجم الاقتصاد الرسمي أو الشرعي.
وقد ساهمت في ذلك عوامل عدة، منها إهدار أكثر من 25 مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية، وكذلك «دولرة الكاش» التي زادت المخاطرَ الناتجة عن الاقتصاد النقدي، والذي أصبح تلقائياً جنةً من جنان «تبييض الأموال».
ومع انعدام الثقة بالقطاع المصرفي تَراجعَ حجمُ الودائع المقيمة في الفترة بين 17 أكتوبر 2019 و30 يونيو 2022 بما يعادل 46 تريليون ليرة، وتوازياً مع تضخم حجم النقد المتداول من 5.4 تريليون ليرة إلى نحو 35 تريليون ليرة لبنانية. لقد اعتمد لبنانُ قانونَ السرية المصرفية منذ عام 1956، بهدف جذب التدفقات المالية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
لكن رغم حسنات هذا القانون، فقد تسبب في إضعاف المواطنية الضريبية وتعزيز ثقة الفساد والإفلات من العقاب، وشجَّعَ على التهرب الضريبي وتوسيع انعدام المساواة، وفي نسف التحقيقات حول عدد من القضايا والجرائم المالية، كما أعاق التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والمصارف، إضافة إلى تسهيل عمليات تهريب أموال النافذين.
ورغم أهمية رفع «السرية المصرفية»، وهي خطوة رادعة للمخالفين، تبقى العبرةُ في تنفيذها لتحقيق الغاية المنشودة منها، خصوصاً أن مجلس النواب رصدَ مؤخراً عجزَ الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ أكثر من 60 قانوناً مجمداً في الأدراج، لأسباب سياسية أو مصالح شخصية لكبار النافذين في المنظومة الحاكمة.
*عدنان كريمة كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية
المصدر: الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك: