الاعتماد على الضربات “من بعيد” لأجل استهداف “العناصر الراديكالية” في طالبان.
العملية في حسابات الإدارة كانت في جانب منها، رسالة إلى طالبان “التي انتهكت أساس الاتفاق مع واشنطن”.
اغتيال الظواهري بقدر ما أثار نشوة واشنطن، فقد جدد خشيتها من احتمال تحول أفغانستان مرة أخرى إلى بؤرة مربكة لها.
مقتل الظواهري رمزي وتصفية حساب قديم أكثر منه إزاحة لخطر آني داهم فالقاعدة لم تعد بنفس الخطورة زمن قوتها وانتشارها.
التواصل مع حكومة طالبان “مطلوب” وإن على شكل “تعاملات ومعاملات وليس بالضرورة بشكل دبلوماسي”.. “لأن أميركا ليست عائدة إلى أفغانستان”.
سؤال يشغل واشنطن: هل “طالبان الجديدة” هي ذاتها “طالبان القديمة” أم أن رجوع الظواهري إلى كابول جرى بواسطة شريحة على خلاف مع الجناح الغالب في السلطة؟
* * *
أكثر ما يفاجئ وما يمكن أن نتوقف عنده في مقتل أيمن الظواهري أمس الإثنين، هو “المكان”.
فـ”المكان” يختصر عملية الاغتيال بجوانبها وتعقيداتها التقنية والاستخباراتية والأهم بأبعادها الأفغانية.
استضافة طالبان أو بالأحرى “جناح من جهازها الأمني” كما يقول الأميركيون للظواهري، حرّك الهواجس في واشنطن واستحضر “كابوس 9/11” ليعود بالذاكرة إلى ما قبل سنة 2001 حين كانت أفغانستان قاعدة لـ”القاعدة”، خاصة أن عودة زعيمها المقتول إلى الساحة التي خطط منها لتلك الهجمات، جرت خلافاً “لتعهدات” طالبان لواشنطن، بعد تسلمها الحكم السنة الماضية، بأنها “لن تأوي أو تساعد أو تحتضن” أي جهة “إرهابية”، وفق ما تقوله الإدارة.
وعلى هذا الأساس كان رجوعه إلى أفغانستان مستبعداً، وعلى الأقل خلال هذه المدة.
وكان من اللافت أيضاً أن تأتي العملية في هذا التوقيت بعد مرور سنة على الانسحاب الأميركي من أفغانستان، لعلّ حصولها في هذه المناسبة يمسح شيئاً من صورة الهرولة المهينة آنذاك من مطار كابول والتي كانت البداية في هبوط رصيد الرئيس الأميركي جو بايدن.
وربما قد يفيد ولو قليلاً من وضع حزبه الديمقراطي في الانتخابات النصفية القادمة بعد 98 يوماً.
اغتياله غير المتوقع في وسط العاصمة كابول ما كان ليجري تنفيذه بهذه “الدقة” لولا دور”العنصر البشري على الأرض” الذي تكامل مع تقنيات المسيّرات والصور الفضائية.
هذا التكامل وفّر الإمكانية “لتقصّي حركة عائلة الظواهري” للاستدلال على مكان تواجده، حسب قول جون كيربي الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
وفي تقديرات أخرى، فقد جرى تعقب عملية التسلل وانتقال الظواهري من باكستان إلى كابول، مع رصد الجهات المقربة منه والمتعاطفة معه في مواقع سلطة طالبان، خصوصاً في”وزارة الداخلية” كما تردد.
لكن من غير معلومات عن زمن ومدة هذا الانتقال والتي ما زالت مفقودة أو مكتومة لأغراض تتعلق بسلامة الجهات المحلية المتعاونة والتي كانت مكلفة بتقفي حركة الظواهري ومحل إقامته، خاصة الجهات الرسمية التي اكتفت بالتلميح إلى العنصر البشري المحلي في العملية.
كما يذكر أن علامات استفهام وردت بإشارات عابرة عن دور “بعض الأجنحة العسكرية والمخابراتية الباكستانية” في ملف الظواهري ككل وليس بالضرورة في عملية انتقاله إلى أفغانستان، وقد شددت بعض الجهات على وجوب التداول مع إسلام أباد في موضوع “إعادة احتضان طالبان للقاعدة” وبما يرجح علم إسلام أباد بذلك.
بهذه العملية برّر الرئيس بايدن مقولته التي أطلقها عند انسحابه من أفغانستان بأن مقاتلة المجموعات المتطرفة يمكن أن تجري “عن بُعد ومن غير أن تتطلب حضوراً عسكرياً على الأرض”.
لكن المشكلة تبدو أبعد من ذلك.
مقتل الظواهري رمزي وتصفية لحساب قديم أكثر منه إزاحة لخطر آني داهم، فالاعتقاد الغالب أن القاعدة لم تعد بنفس الخطورة زمن قوتها وانتشارها، فالتقديرات الأميركية تشير إلى أن “داعش” ناشط أكثر وأخطر حتى على الساحة الأفغانية.
لكن ما يشغل واشنطن في أعقاب هذا التطور هو السؤال عما إذا كانت “طالبان الجديدة” هي ذاتها “طالبان القديمة” أم أن رجوع الظواهري إلى كابول جرى بعلم وتسهيل شريحة منها هي على خلاف مع الجناح الغالب في السلطة؟
الصورة غير واضحة أو غير محسومة، لكن على الأرجح كما تشير المداولات أن التواصل مع حكومة طالبان “مطلوب” وإن على شكل “تعاملات ومعاملات وليس بالضرورة بشكل دبلوماسي” حسب الجنرال المتقاعد باري ماكفري، على الأقل “لأن أميركا ليست عائدة إلى أفغانستان”، مع الاعتماد على الضربات “من بعيد” التي تستهدف “العناصر الراديكالية” في طالبان كما يرى ريتشارد هاس رئيس “مجلس العلاقات الخارجية”.
فالعملية في حسابات الإدارة كانت في جانب منها، رسالة إلى طالبان “التي انتهكت أساس الاتفاق مع واشنطن”.
لكن كيفما تطورت الأمور تبقى عملية اغتيال الظواهري، بقدر ما أثارت نشوة واشنطن، بقدر ما جددت خشيتها من احتمال “عودة حليمة إلى عادتها القديمة ” إذا تحولت أفغانستان مرة أخرى إلى بؤرة مربكة لها.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: