المبعوث الأميركي مالي يصف المفاوضات بـ”الحصان الميت الذي لا يمكنك إحياؤه”.
سيناريو غريب عن القراءات السائدة، لكن الأغرب أن يصر الجانبان على التمسك بـ”مفاوضات ميتة” كل لحيثياته.
يعرف الرئيس بايدن أن البديل عن الدبلوماسية “قد يضعه أمام عملية تحدّ خارجي جديد في وقت تزدحم قائمة تحدياته الخارجية”.
أحد تفسيرات تشدد إدارة بايدن وعدم تزحزحها أنها تريد بذلك كشف “خداع” إيران وإظهار أن استخدام إيران للورقة النووية كان للتهويل والابتزاز.
تراهن أميركا على أن إيران لا تقوى على تحمل أعباء وتداعيات امتلاك السلاح النووي بل ترد على التشدد الأميركي بالتأكيد على تمسكها بالمفاوضات.
الإدارة تتوسل الضبابية لحجب حقيقة أنها ليست بوارد مغادرة الطاولة فهي “لا تريد الانسحاب من المفاوضات لئلا تتحمل مسؤولية التداعيات، ووصول الأزمة إلى حرب”.
* * *
تكرّر الخارجية الأميركية منذ أشهر ذات الخطاب حول احتمالات مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران، ويتردد موقف واشنطن بنفس المفردات وذات المقاربة التي ترمي إلى ترك الانطباع بأن العملية واعدة أو على الأقل غير ميؤوس منها، وبما يبرر الإصرار على التمسك بها.
ووصف المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي أخيرا المفاوضات بـ”الحصان الميت الذي لا يمكنك إحياؤه”، وقد تردد تشبيهه على أكثر من لسان.
ويعتقد الكثيرون أن المفاوضات “ماتت، لكن دفنها مؤجل”، أو أنها “وُضعت في صندوق مقفل في حالة بين الحياة والموت”.
كلام قريب من هذه اللغة قاله مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في مقالته أمس التي أثارت جدلا مع الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي قال إن الإدارة تسلمت مسودة المقترح القائم على “أساسات مطروحة على طاولة المفاوضات منذ مارس الفائت” ولو مع بعض “التغييرات”، واعدا بالرد السريع عليها “لأن عامل الوقت مسألة جوهرية”.
الاعتقاد أن ما جاء به بوريل “جرى على الأرجح بالتشاور والتنسيق مع الإدارة للضغط على طهران”. ويشير إلى ذلك تركيزه على “الوقت” الذي تعاملت فيه الإدارة منذ البداية بصورة مفتوحة، فمنذ أواخر العام الماضي وهي تتحدث عن انحسار الفترة المتبقية للتفاوص، وأن “نافذة الوقت بدأت تضيق”، وأن المتبقي لا يزيد عن فترة أسابيع.
ومضت 8 أشهر أو أكثر على هذا المنوال. وعندما سُئلت الخارجية عن حدود السقف الزمني للتفاوض عادت إلى ربط المدة “بالنقطة التي يتبين لنا معها أن العودة إلى اتفاق 2015 لم تعد لنا مصلحة فيها”.
وحسب برايس، فإن المشروع النووي الإيراني قد تجاوز بتخصيب اليورانيوم خط حظر انتشار السلاح النووي، لكنه نأى كالعادة عن الإشارة إلى هذا الخط ولا إلى الفترة التقريبية اللازمة لإيران لبلوغه، مع أن وكالة الطاقة الدولية أوضحت في تقريرها أن إيران “تركض” في هذا الاتجاه.
الواضح على هذه الخلفية أن الإدارة تتوسل الضبابية في الموقف لحجب حقيقة أنها ليست في وارد مغادرة الطاولة، فهي “لا تريد الانسحاب من المفاوضات كي لا تتحمل مسؤولية التداعيات، وربما وصول الأزمة إلى حرب”.
ويعرف الرئيس جو بايدن أن البديل عن الدبلوماسية “قد يضعه أمام عملية تحدّ خارجي جديد في وقت تزدحم قائمة تحدياته الخارجية”، من موسكو إلى الصين وأزمات الطاقة والمناخ، وحتى المواد الغذائية. لذلك، يكتفي بترك العملية في حالة “لا معلّق ولا مطلّق”.
لكن قد يكون في الأمر ما هو أبعد من ذلك، فمسألة الخلاف حول المطالب الإيرانية الأخيرة، ومنها رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، لا تبدو أنها نوع من العقبات التي كان يمكن أن تحول دون التوصل إلى اتفاق كان بلوغه على قاب قوسين أو أدنى على ما قيل!
بل إن ثمة من استغرب في الكونغرس عدم تجاوز الإدارة لمثل هذه العقدة في المرحلة النهائية من المفاوضات. ودعا السناتور الديمقراطي كريس مورفي البيت الأبيض علنا إلى التجاوب مع هذا الطلب والعبور إلى الحل.
ومن ضمن التفسيرات لتشدد وعدم تزحزح الإدارة، أنها أرادت بذلك كشف “خداع” إيران وإظهار أن استخدام طهران للورقة النووية كان للتهويل والابتزاز.
ويبدو أن واشنطن تراهن على أن طهران في نهاية المطاف لا تقوى على تحمل أعباء وتداعيات امتلاك السلاح النووي، والدليل أنها ردت على التشدد الأميركي بالمزيد من التأكيد على تمسكها بالمفاوضات. سيناريو غريب عن القراءات السائدة، لكن الأغرب أن يصر الجانبان على التمسك بـ”مفاوضات ميتة”، كل لحيثياته.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك:
تايم: إيران وصلت العتبة النووية ولن يمنعها قنبلتها عمليات جراحية