الوحدة العربية لا تهم العاملين في السياسة فقط، بل تهم الجميع، من دون استثناء، ذلك أن تحققها يفيد الجميع وعدم تحققها يضر الجميع.
يجب أن لا نترك ذرة من جوانب الوحدة، دون حفر وبناء وتطوير ونشر وتوعية، فنضالات الشباب العربي ستكون عقيمة إن لم تجر في ظل هذا الوهج الوحدوي.
من الأهمية القصوى توعية الفرد العربي توعية وحدوية، فكرية ومشاعرية وروحية، تجعله مرتبطاً عاطفياً وذهنياً بأهمية وحدة أمته لاستعادة عافيتها والوقوف بوجه الاستعمار وصراعات تمزقها.
* * *
بقلم: د. علي محمد فخرو
أصبح من الضروري والملح أن يعالج موضوع الوحدة العربية، الذي أصبح مدخلاً وجودياً مفصلياً لخروج الأمة العربية، بكل أقطارها وأنظمتها، من الدمار الذي لحق بها مؤخراً، أن يعالج لا كمكون من الفكر القومي العروبي، ولا كشعار سياسي فقط وإنما أيضاً، وبالأهمية نفسها، كممارسة سلوكية يومية على المستويين الرسمي والشعبي.
من هنا الأهمية القصوى لتوعية الفرد العربي توعية وحدوية، فكرية ومشاعرية وروحية، تجعل الفرد مرتبطاً عاطفياً وذهنياً بأهمية وحدة أمته من أجل استعادة عافيتها ونهضتها للوقوف في وجه الأخطار الاستعمارية والإرهابية والصراعات المذهبية والمناطقية والعرقية، التي تمزقها وتنهكها حالياً.
هذا يحتاج إلى أن يتم على المستويات كافة، وفي جميع الساحات وبصورة مستمرة تدريجية، لكن تراكمية متصاعدة.
ولهذا يحتاج الأمر إلى سيرورة حياتية تبدأ في أجواء العائلة، أحاديث وأناشيد وتصرفات دعم، وفي المدرسة، مناهج ونشاطات وأناشيد صباحية وأجواء مدرسية وقدرة من قبل الأساتذة والإدارة، وفي كل مؤسسة مجتمعية مدنية، دعماً دينياً والتزاماً مهنياً وشعارات سياسية وشعبية.
وبمعنى آخر نقل هذا الشعور الوجداني والذهني إلى عوالم الفعل والسلوك والالتزام. في أجواء كهذه تصبح الوحدة في مقدمة أحلام الأمة، طاردة لكوابيس التمزق والهوان ومشاعر الضعف المذل، وتصبح عيشاً متجدداً لتاريخ الأمة المشترك وآمالها المستقبلية المليئة بالتفاؤل والإيمان الواثق المستبشر، وتتوقف عن أن تكون أيديولوجية يطرحها هذا الجزء من الأمة، ويرفضها الجزء الآخر.
ذاك الزخم الوحدوي سيحتاج لدعم الكثير من الجهات، فعلى مستوى المدرسة والجامعة سيحتاج الأمر لقرار مشترك من قبل وزارات التربية والتعليم العربية، بالاشتراك مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، لجعل موضوع الوحدة العربية جزءاً من مقررات التربية الوطنية.
وسيحتاج الأمر لقرار توجيهي ملزم من قبل وزراء الإعلام ووزراء الثقافة العرب، للمساهمة الفاعلة في نشر ثوابت وحدة الأمة، وفي توعية الملايين المستمر بشأن الأهمية الوجودية لهذا الشعار القومي العروبي كطريق مفصلي لإنهاض الأمة.
والأمر نفسه ينطبق على قيادات مؤسسات المجتمعات العربية المدنية، أحزاباً وجمعيات ونقابات ونواد وروابط من أي نوع كانت، أن لا ترى أي حرج في تبني هذا الشعار مهما كانت الأيديولوجيا التي تتبناها مؤسساتهم: ليبرالية أو إسلامية أو شيوعية أو قومية.
وهناك جانب مهم يتعلق بشابات وشباب الأمة مطلوب منهم أن ينضموا لكل نوع من الاتحادات العربية، ويطالبوا بقيامها إن لم توجد. هذه خطوة ستنعش الاتحادات وتوسع قواعدها.
أما الجانب المهم الآخر فهو أن يقلبوا وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية إلى أدوات توعية وإشادة لمفاهيم وسلوكيات الوحدة، بحيث يساهمون في إيصالها إلى ملايين المواطنين العرب.
موضوع الوحدة العربية لا يهم العاملين في السياسة فقط، إنه يهم الجميع، من دون استثناء، ذلك أن تحققها يفيد الجميع وعدم تحققها يضر الجميع، ولذلك تحتاج الوحدة أن تكون في صلب الفلسفة والتاريخ وكل العلوم الاجتماعية، من دون استثناء وليس علم السياسة فقط، وفي صلب الفنون بكل أنواعها، وفي صلب كل النشاطات الترفيهية والرياضية. تحتاج أن تكون إحساساً يومياً ومسلكاً حياتياً يمس كل كيان الإنسان العربي.
يقابل بناء كل تلك الأحاسيس والسلوكيات والأحلام الإيجابية، الواقعية إلى أبعد الحدود، نحتاج إلى التوعية المستمرة بسلبيات وأخطار ما يعاكسها، أي التجزئة العربية، كأرض وشعوب وأنشطة وسلوكيات وغياب لأي التزامات.
من هنا يجب أن لا نترك ذرة من جوانب الوحدة، من دون الحفر والبناء والتطوير والنشر والتوعية، وذلك أن نضالات الشباب والشابات ستكون عقيمة إن لم تجر في ظل هذا الوهج الوحدوي.
* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني
المصدر: الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: