حاجة الثلاثي من القمة “متبادلة” وإن كان لكل طرف حساباته المنفصلة.
وضعت واشنطن قمة طهران في إطار تحرك اضطراري وليس تحالفي بين أطراف خاصة روسيا وإيران تجمعها خصومة مع الغرب إضافة لـ”العقوبات والعزلة”.
تركيز أميركا انصب على بوتين على خلفية حرب أوكرانيا ومغادرته موسكو في لحظة حرب تحمل مخاطر كبيرة، تؤشر لوجود “حاجات” ضاغطة على روسيا نتيجة للحرب.
تعترض أميركا على العملية التركية وتدعو تركيا لصرف النظر عنها وثمة اعتقاد أنّ أردوغان يستخدم التهديد بها كورقة أكثر منها كسياسة برسم التنفيذ لضمان “تفهم” عملياته شمال العراق.
* * *
قللت واشنطن من أهمية قمة طهران الثلاثية التي جمعت في طهران بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيريه التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني إبراهيم رئيسي، واضعة إياها في إطار التحرك الاضطراري وليس التحالفي، بين أطراف، خاصة موسكو وطهران، تجمعها الخصومة مع الغرب إضافة إلى “العقوبات والعزلة”.
وبدا الرئيس التركي في وضع متميز لجهة أنه كان الأكثر قدرة على التفرد والتأكيد على تمسّكه بمواقفه المخالفة، وبالتحديد عمليته العسكرية الموعودة في شمال سورية والمعلقة منذ أسابيع. وقد تردد أنّ إصراره عليها تسبب بتوتر مع بوتين وربما مع طهران.
وكررت وزارة الخارجية الأميركية خلال إحاطتها، أمس الأربعاء، اعتراضها على العملية التركية، داعية أنقرة إلى صرف النظر عنها اجتناباً لتداعياتها الأمنية والمدنية. وثمة اعتقاد أنّ أردوغان يستخدم هذا التهديد كورقة أكثر منه كسياسة برسم التنفيذ، ربما لضمان “تفهم” عملياته في شمال العراق.
لكن التركيز الأميركي انصب أساساً على الرئيس بوتين، على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا. مغادرته موسكو في لحظة حرب تحمل مخاطر كبيرة، تؤشر بحد ذاتها إلى وجود “حاجة” أو “حاجات” ضاغطة على موسكو كنتيجة للحرب.
فليس من دون لزوم أن “يتوسل” بوتين قمة في إيران التي تربطه بها “علاقات محدودة ومشوبة بثقة منقوصة”، بحسب مدير وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” وليام بيرنز، الذي تحدث عن هذا الموضوع، أمس الأربعاء، في محاضرة ألقاها خلال “منتدى أسبن للأمن” في ولاية كولورادو.
وسبق لبيرنز أن كشف قبل أيام عن تزويد إيران روسيا بطائرات مسيرة. ثم عاد أمس وكرر هذه المعلومة ليقول إنّ شراء موسكو مثل هذا السلاح ليس سوى “إشارة على وجود أعطاب في الصناعة الحربية الروسية”.
يُذكر أنّ كلاماً كثيراً من هذا النوع تردد منذ بداية التعثر العسكري الروسي في غزو أوكرانيا. ومنه ما لا يخلو من المبالغات بدوافع دعائية. بعض هذا النقص جرى ربطه بالعقوبات التي “أثبتت فعاليتها، حيث حرمت موسكو من المواد الأولية والتكنولوجيا” التي كانت تستوردها لصناعتها العسكرية، كما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي.
وهي حيثية يشدد عليها المسؤولون الأميركيون لإبراز أهمية العقوبات وبما يحجب جانبها السلبي، الذي انعكس على الأسعار وارتفاع معدل التضخم، المسؤول إلى حد بعيد عن هبوط رصيد شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن إلى مستويات غير اعتيادية بلغت 33% فقط.
يشار في هذا الصدد إلى تخوف المسؤولين من تسلل بدايات ما يصفه المراقبون “التعب” من تبعات العقوبات وكلفة الدعم الغربي لأوكرانيا التي يكتوي بنيرانها دافع الضرائب على شكل ما بدأ يظهر في بعض الدول الأوروبية. فالتركيز على “ورطة” بوتين الذي وجد نفسه في “مضيق رهيب” حمله إلى طهران، يلعب دوره في تخفيف وطأة تداعيات الحرب.
كما أنّ بعض المتابعات تتحدث عن موقف صيني “يتزايد عدم ارتياحه” لمسار واحتمالات الأزمة، بما قد يشكل عاملاً مساعداً لتقريب موعد التوجه إلى طاولة المفاوضات، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، أمس الأربعاء.
كلام بوتين عن “التزام روسيا” بتعهداتها في ترك الغاز الطبيعي يتدفق إلى أوروبا عبر أنبوب “نورد ستريم 1″، إلا إذا احتاج إلى صيانة يتعذر توفيرها بسبب العقوبات، قد يكون تلميحاً في هذا الاتجاه.
خاصة أنّ هناك في واشنطن استعداداً ضمنياً، برغم خطاب التشدد، للمضي إلى حل يقوم على تعديلات في الحدود الأوكرانية وفق الوضع القائم على الأرض الآن. إشارة الرئيس بايدن قبل أسابيع قليلة حول اعتقاده بعدم قدرة أوكرانيا على استعادة الأراضي التي خسرتها، تمهيد أو هكذا يبدو، لمثل هذه النتيجة.
ومع ذلك، فإنّ التعاون العسكري بين موسكو وطهران “مشكوك في استمراره على المدى الطويل”، وفق بيرنز. وكان من اللافت أن ينتقل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من موقف “رفض الحروب” إلى النقيض، وتأييده حرب أوكرانيا من دون تحفظ. هل لأنّ احتمالات الانفراج فيها بدأت تتزايد ولو ببطء؟ المؤكد، وفق القراءات الأميركية، أنّ حاجة الثلاثي من القمة “متبادلة” وإن كان لكل طرف حساباته المنفصلة فيها.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: