خلية العمليات الخاصة ساعدت على إدارة تدفق الأسلحة والمعدات إلى أوكرانيا.
تريد أمريكا إضعاف روسيا لدرجة لا تسمح لها بتحقيق هدفها من غزو أوكرانيا فهي إذن حرب بالوكالة.
أمريكا و«الناتو» غارقان بعمق في تداعيات عسكرية واقتصادية، وقد ترغم أي تطورات غير متوقعة الحلفاء على التورط بعمق في حرب مكلفة.
يتواجد عناصر سي آي إيه لإدارة عمليات سرية داخل أوكرانيا وتحدث مسؤولون أمريكيون عن شبكة كوماندوز لتنسيق عمليات تدفق الأسلحة لأوكرانيا.
أمريكا تنقصها صورة واضحة عن استراتيجية حرب أوكرانيا بالمعنى الاستراتيجي للصراع لكن دوافع أمريكا في الصراع غير المعلنة مع روسيا هي محرك النزاع.
في أمريكا الحرب صراع عالمي بين لونين: أبيض لوصف نفسها كحامية الديمقراطية؛ وأسود هو الحكم الشمولي غير ديمقراطي، فهي حرب بين أخيار وأشرار.
مجموعات الاستخبارات المركزية تواصل عملياتها سراً داخل أوكرانيا وعشرات الكوماندوز من دول الناتو داخل أوكرانيا تحت غطاء أعضاء بعثات دبلوماسية.
حرب أوكرانيا تزداد تعقيداً وأمريكا غير مستعدة لها، فهي مغامرة ولا مصلحة لأمريكا دخول حرب شاملة مع روسيا والحل مفاوضات سلام تؤدي لقرارات صعبة.
تحديات قادمة تهدد بقاء دول لكنها تشكل أيضا أساساً عملياً للتعاون حول حل المشكلات بين أطراف الأزمة، فحرب بوتين في أوكرانيا خلقت أضخم حالة طوارئ بالجغرافيا السياسية منذ نهاية الحرب الباردة.
* * *
بقلم: عاطف الغمري
مازلت أذكر تعبيراً سبق أن قرأته في أمريكا، يقول إن الحرب ليست مثل أفلام «هوليوود» التي يكسبها دائماً البطل حامل السلاح، ويهزم فيها الأضعف، والأقل تسليحاً.
فالحرب تعنى صراعاً عالمياً بين لونين: الأبيض، وهو اللون الذي نصف به أنفسنا كحماة للديمقراطية، في مواجهة الأسود، الذي نعنى به الحكم الشمولي غير الديمقراطي، أي أنها حرب بين أخيار وأشرار.
ووفقاً لهذه الرؤية للصراع والحرب مع آخرين، فإن الولايات المتحدة تضفي على سياستها مسحة عقائدية، يصفها المفكر الأمريكي المعروف، أيان بريمر، بأنها تصور النزاع بالشكل الذي ينحاز لقيمها السياسية ولمصالحها بشكل عام، وهو تفكير يعمق الأزمة ولا يحلّها، والقيم في المصطلحات الأمريكية تعنى الأفكار والتقاليد التي تعبر عن ثقافة الدولة.
صحيفة «نيويورك تايمز» أضافت إلى ذلك قول مسؤولين أمريكيين بأن أمريكا تنقصها صورة واضحة عن استراتيجية الحرب في أوكرانيا، بالمعنى الاستراتيجي للصراع الدائر، لكن هناك دوافع تخص أمريكا في الصراع مع روسيا، ليست معلنة لكنها هي المحرك الحقيقي للنزاع.
وفي الصحيفة نفسها، وفي المقال الافتتاحي، فإن الحرب تزداد تعقيداً، ولا يبدو أن أمريكا مستعدة لذلك. وهو ما أضافت إليه مجلة «نيويوركر» ذات المرجعية الصحفية الموثوق بها، أن ما تريده الولايات المتحدة هو إضعاف روسيا إلى الدرجة التي لا تسمح لها بتحقيق هدفها من غزو أوكرانيا.
وتعيد «نيويوركر» المعنى المتكرر بأنها حرب بالوكالة بمقال عنوانه «أوكرانيا الآن في حرب لأمريكا بالوكالة مع روسيا».
ويتكشف الدور الأمريكي المباشر في هذه الحرب والذي اتخذ لنفسه صورة بدت كأنها مستترة، أو بعيدة عن الأنظار، وهو ما نشرت تفصيلاته صحيفة «نيويورك تايمز»، عن تواجد عناصر وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه”، يديرون عمليات سرية داخل أوكرانيا، وأن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين تحدثوا عن شبكة «كوماندوز» تتولى التنسيق لعمليات تدفق الأسلحة على أوكرانيا.
أيضاً كتب إيفور بريكيت في «نيويورك تايمز» في مايو/ أيار 2022، أن أفراد قوات العمليات الخاصة من أمريكا والحلفاء يتولون تدريب نظرائهم الأوكرانيين منذ سنوات، وأن كثيراً من هذه العمليات تمت خارج أوكرانيا في قواعد بألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا.
وبالرغم مما أعلنه الرئيس بايدن من أن بلاده لن ترسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا، إلا أن مجموعات من المخابرات المركزية تواصل عملياتها سراً داخل أوكرانيا، إضافة إلى دور عشرات الـ«كوماندوز» من دول حلف الناتو داخل أوكرانيا، والبعض من هؤلاء يتسترون تحت غطاء كونهم أعضاء في بعثات دبلوماسية.
ثم إن كريستين وورموث، وزير الجيش الأمريكي، قال في لقاء أمني خاص في مركز «أتلانتيك كونسيل»: إن خلية العمليات الخاصة ساعدت على إدارة تدفق الأسلحة والمعدات إلى أوكرانيا.
وطبقاً لمعلومات مجلة «نيويوركر»، فإن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، زار كييف في قطار غطيت نوافذه باللون الأسود، في مهمة سرية لمقابلة زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، ليجدد تأييد أمريكا له، ما يعكس الطموحات الأمريكية المتزايدة في هذه الحرب.
وتختتم افتتاحية «نيويورك تايمز» وجهة نظرها بالقول إن حرب أوكرانيا تزداد تعقيداً، وإن الولايات المتحدة ليست مستعدة لها، فهي مغامرة، وليس من مصلحة أمريكا الدخول في حرب شاملة مع روسيا، وإن الحل هو في مفاوضات سلام تؤدي إلى قرارات صعبة، لأن الولايات المتحدة وحلف «الناتو» غارقان بعمق في تداعيات عسكرية واقتصادية، ويمكن لأي تطورات غير متوقعة أن تجبر الحلفاء على التورط بعمق في حرب مكلفة.
وفى كتابه الجديد «قوة الأزمة» يقول المفكر أيان بريمر، إن هناك تحديات قادمة تهدد بقاء دول. وإن كانت هذه التحديات تشكل في الوقت نفسه أساساً عملياً للتعاون حول حل المشكلات بين أطراف الأزمة، فإن حرب بوتين في أوكرانيا خلقت أضخم حالة طوارئ تتعرض لها الجغرافيا السياسية منذ نهاية الحرب الباردة.
ويرى خبراء أمريكيون تنشر صحف بلادهم وجهات نظرهم، أن الأزمة الراهنة رغم حدتها، يمكن الخروج منها، وإيجاد فرص حقيقية لدعم مفهوم التعاون وتبادلية المصالح.
وإذا كان هناك وعي حقيقي بما يمكن أن تسببه هذه الأزمة من كوارث للطرفين، لكان الطرفان قبِلا التفاوض على أساس تقديم كل منهما تنازلات، وإذا كانت هناك رغبة في التعلم من أخطاء سابقة لنا.
* عاطف الغمري كاتب صحفي مصري
المصدر: الخليج – الدوحة
موضوعات تهمك: