الأردن ومأزق التحدث بـ”لهجتين”: عودة أسوأ كوابيس السياسة.. مشروع كوشنر على رافعة بايدن
“أشباح مرحلة وخطة المستشار الأمريكي الأسبق جاريد كوشنر تلوح في الأفق”.
منسوب مقاومة الأردن للنسخة الجديدة التابعة للإدارة الديمقراطية لصفقة كوشنر قد يكون أقل من المرة الماضية.
لا تراجع لدى إدارة بايدن عن قرار ترامب بخصوص القدس، ولا موقف جديداً يحد على الأقل من نمو وازدياد المستوطنات.
الخطأ عند بناء وهم في الحسابات السياسية باتجاه الإدارة الأمريكية الحالية هو خطأ يحسب وليس خطأ الواقع الموضوعي أو الأمريكي.
ما يعرضه بايدن خاصة بملف التطبيع مع إسرائيل وملف عملية السلام لا يختلف كثيراً عما يعرضه أو سبق أن عرضه طاقم ترامب وبالأخص كوشنر!
يتم الترويج لنمو اقتصادي مشترك ومشاريع بنية تحتية لخدمة التعايش والسلام وتحالفات عسكرية وسياسية عميقة مع كيانات أخرى بينها الهند وإسرائيل.
ما يعرضه بايدن على زعماء المنطقة عرضه ترامب عليهم وحديث عن تقارب وتطبيع سريع مع إسرائيل يشمل أطرافا لم تطبع وتعاون أمني استراتيجي إقليمي.
القاعدة الأردنية الراسخة في بناء استراتيجية المملكة السياسية تجاه قضية فلسطين: نحن ببساطة لا نقيم حساباتنا السياسية بناء على الأوهام ولا نتحدث بلغتين أو لهجتين.
* * *
“أشباح مرحلة وخطة المستشار الأمريكي الأسبق جاريد كوشنر تلوح في الأفق”. تلك ليست فقط قناعة دوائر مهمة وفي وقت مبكر مع بداية العام الحالي وقبل منتصفه على مستوى النخب السياسية الأردنية أو حتى على مستوى صناع القرار فقط، فهي أيضاً الخلاصة التي وردت في تقدير موقف عميق صدر عن مركز السياسة والمجتمع، أحدث مراكز الدراسات المعمقة والمتخصصة والمعنية بجمع حصيلة آراء باحثين بارزين يستطيعون قراءة ما وراء السطور.
خطة كوشنر تعود إلى الأفق السياسي في المنطقة من جديد، لكن هذه المرة على موجة يركبها الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي لا يمكن أردنياً على الأقل التعامل معه بالمسطرة نفسها التي تم التعامل بموجبها مع الرئيس الذي سبقه دونالد ترامب وطاقمه.
ليس سراً أن ذلك واحد من أسوأ الأنباء والأخبار، لا بل الكوابيس، إزاء النخبة الأردنية، وأيضاً إزاء دوائر القرار الاستراتيجي؛ فطوال أربع سنوات بقي الأردن مهووساً ومشغولاً بملاعبة بوصلة الرئيس ترامب.
وقال الأردن عدة مرات علناً إنه ضد خطة صفقة القرن، لكن الانطباع يتكرس مجدداً بأن ما يعرضه الرئيس جو بايدن خصوصاً في ملف التطبيع مع إسرائيل وملف عملية السلام لا يختلف كثيراً عما يعرضه أو سبق أن عرضه طاقم ترامب، وبالأخص كوشنر الذي تناقش بحدة في أحد الاجتماعات المغلقة مع رئيس الوزراء الأردني الحالي الدكتور بشر الخصاونة، عندما كان مستشاراً للملك وليس رئيساً للوزراء.
آنذاك، أصر الخصاونة على ترديد عبارته في مواجهة كوشنر قائلاً بأن الأردن لا يملك ولا يستطيع التحدث بلهجتين في عملية السلام فيما يخص قضية فلسطين.
كرر الخصاونة هذه القاعدة الأردنية الراسخة في بناء استراتيجية المملكة السياسية، خصوصاً تجاه قضية فلسطين وهو يقول نحن ببساطة لا نقيم حساباتنا السياسية بناء على الأوهام ولا نتحدث بلغتين أو لهجتين.
تلك الحقيقة في إدارة الدبلوماسية الأردنية لا تعني الكثير، خصوصاً أن خطة كوشنر تدخل الآن من النافذة برفقة طاقم الرئيس بايدن، حتى وإن كان الإيحاء أنها غادرت للتو من البوابة، مما يعني مجدداً تورط عمان بمعادلة الاضطرار للتحدث بلهجتين.
وحده وزير البلاط الأردني الأسبق الدكتور مروان المعشر كان يحذر القوم في بلاده طوال الوقت ومنذ اعتلى الرئيس بايدن منصة الرئاسة، من الغرق في الأوهام ومن بناء رهانات لا أساس لها لا في خطة الرئيس بايدن التي انتخب على أساسها أصلاً ولا في نوايا طاقمه الجديد.
وقد كرر الدكتور المعشر عدة مرات مقولته التحذيرية، مشيراً إلى أن الخطأ عند بناء وهم في الحسابات السياسية خصوصاً باتجاه الإدارة الأمريكية الحالية والتي كانت جديدة قبل أكثر من عام ونصف هو خطأ يحسب وليس خطأ الواقع الموضوعي أو الأمريكي.
وطوال الوقت، بقي الدكتور المعشر في حالة تذكير لجميع الأطراف بأن الفرصة متاحة لبناء موقف وطني أو قومي لا علاقة له بخطة من أي نوع موجودة أو متاحة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة.
واليوم يثبت ويترسخ هذا النمط من النقاش؛ فكل التقارير الواردة من عواصم أوروبية وغربية أو حتى من واشنطن تشير بوضوح إلى أن ما يعرضه الرئيس بايدن على زعماء المنطقة هو ذاته عملياً ما كان يعرضه سلفه ترامب على نفس الزعماء، حيث استرسال في الحديث عن تقارب وتطبيع سريع مع إسرائيل ويشمل الأطراف التي لم تطبع بعد، مثل المملكة العربية السعودية!
وحديث عن تعاون أمني إستراتيجي إقليمي، وعن توسع في النمو الاقتصادي المشترك، وعن بناء مشاريع بنية تحتية لخدمة أغراض التعايش والسلام وتحالفات عسكرية وسياسية عميقة مع كيانات أخرى، من بينها دولة مثل الهند والكيان الصهيوني المحتل.
باتت مؤسسة القرار الأردنية تعرف ذلك جيداً الآن، لكن القناعة راسخة في مركز القرار الأردني اليوم بأن بايدن لا يوجد بين يديه شيء جديد بخصوص القضية الأساسية، وهي قضية فلسطين، حيث لا تراجع عن قرار ترامب بخصوص القدس، ولا موقف جديداً يحد على الأقل من نمو وازدياد المستوطنات.
وكل ما تطرحه إدارة بايدن هو التعايش على أساس اقتصادي ورفع مستوى معيشة الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، دون تقديم حلول سياسية، وقد قالها كثيرون ومنهم المعشر وغيره بعنوان لا يوجد لدي بايدن أي خطة من أي نوع ومن أي صنف وفي أي وقت لاستئناف عملية السلام.
لا تحتاج نخب عمان، برأي السياسي مروان الفاعوري، إلى أدلة أكثر من تلك، وإلى قرائن واضحة الملامح لقراءة الممسوح قبل المكتوب، فما يقدمه الرئيس بايدن اليوم بالعمق والجوهر هو تلك المقاربة التي تقول بأن الأردن في مواجهة صفقة القرن.
لكن هذه المرة يواجه الأردني، وهو في حالة أضعف عملياً، سياسياً وإقليمياً، وحتى اقتصادياً، وهو واحد من التحديات الأساسية التي تواجهها الدولة الأردنية مع فارق بسيط فكرته أن إدارة بايدن تعرض صفقة القرن نفسها عملياً وتتحدث عن حصة الأردن في السلام الاقتصادي وزيادة صادراته إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة فقط، ولكن بلهجة ولغة ناعمة ومغلفة خلافاً لما كان يقوله الرئيس ترامب بوضوح وقبل بروز رافعة بايدن.
حجم هوامش المناورة يبدو أنه صعب للغاية، وصدور تقرير معهد السياسة والمجتمع بالمقاربة التي تقول بأن المملكة الأردنية الهاشمية لا تستطيع لأسباب استراتيجية متعددة التماهي مع صفقة القرن، سواء اخترعها وابتكرها كوشنر أو نسيبه الرئيس ترامب، أو حملها لكن بغلاف جديد طاقم الرئيس بايدن.
تلك خلاصة تعني بوضوح أن أمام الأردن مناورة جديده صعبة ومعقدة قوامها الموقف التموقعي الأضعف؛ لأن إدارة بايدن دللت عمان في المساعدات وفي طريقها لتوقيع اتفاقية استراتيجية تجارية جديدة لعدة سنوات وفي طريقها أيضاً لبناء قوة عسكرية أمريكية دائمة مع قواعد عسكرية في الأرض الأردنية، وكل تلك أسباب تقول بوضوح بأن منسوب مقاومة الأردن للنسخة الجديدة التابعة للإدارة الديمقراطية لصفقة كوشنر قد يكون أقل من المرة الماضية.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: