ملفات اغتيال شيرين أبو عاقلة لن يغلقها التحقيق الأمريكي الرسمي أو أي إجراء زائف مماثل،
الجريمة مكتملة الأركان والمحزن ألا تكون الاستهانة بالدم الفلسطيني عنصرها المحرك الأكثر أهمية، بل حقيقة كون أبو عاقلة مواطنة أمريكية أيضاً.
على أسرة الشهيدة والمجتمع المدني الفلسطيني التشديد على البعد الفلسطيني لجرائم حرب يرتكبها الاحتلال، وأن اغتيال شيرين أبو عاقلة أخطر بكثير من مجرد وصمة عار جديدة.
* * *
بيان وزارة الخارجية الأمريكية، الذي أوجز استنتاجات منسق الأمن الأمريكي حول مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، ليس مجرد وصمة عار جديدة تُضاف إلى سجلّ الانحياز الأمريكي الرسمي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بل هو مناسبة إضافية تفضح المدى غير المحدود الذي يمكن أن تذهب إليه الإدارات الأمريكية على اختلاف انتماءاتها الحزبية في السكوت عن جرائم الاحتلال، وفي التغطية عليها واختلاق شتى الذرائع التي تكفل لها الإفلات من العقاب.
وما سُمّي بـ«التحقيق» الأمريكي يظل مدعاة سخرية لدى خبراء التحليل الجنائي عند اعتماد مستوى الحدود الدنيا من الطرائق الكثيرة المعقدة المتوفرة اليوم في دراسة أي مقذوف استُخدم لارتكاب جريمة قتل، لأنّ التذرع بتعرّض الرصاصة التي قتلت الشهيدة أبو عاقلة لأضرار بالغة بشكل منع التوصل إلى نتيجة حاسمة لا يصمد أمام معطيات معاكسة صريحة، كما لا يجوز له استطراداً أن يدفع منسق الأمن الأمريكي إلى القول بعدم وجود سبب للاعتقاد بأن القتل كان متعمداً.
الانحياز الفاضح خلف هذا الاستنتاج الركيك لا يقتصر على استبعاد تهمة القتل العمد عن احتلال هو الأسوأ في عصرنا وربما على مدار التاريخ، ولا يكتفي بتبرئة مجانية لجيش اعتاد ارتكاب المجازر الجماعية والقتل بدم بارد والاستهانة بكل وأي قانون دولي يفرض احترام النفس البشرية، بل الأخطر أنه يمنح جنود الاحتلال ترخيصاً أمريكياً مستقبلياً بالإجهاز على الصحافي الذي يرتدي خوذة الصحافة مثل المتظاهر المدني الذي لا يحمل سوى لافتة. وإذا كان الترخيص غير مباشر هنا، فإنه في نهاية المطاف أقرب إلى تفويض بالقتل تحت ستار عدم وجود سبب يدفع لترجيح القتل العمد.
منسق الأمن الأمريكي، ومن ورائه الخارجية الأمريكية وكبار مسؤولي البيت الأبيض وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه، ضربوا عرض الحائط بسلسلة التحقيقات المستقلة ذات المهنية العالية التي أجرتها الأمم المتحدة، ومؤسسات إعلامية أمريكية عريقة مثل «سي إن إن» و«واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» لا يُعرف عنها العداء لدولة الاحتلال، وخلصت جميعها إلى مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل الصحافية الشهيدة.
بل يصح القول إن الضغوط التي مارستها هذه التحقيقات على الرأي العام في الولايات المتحدة هي التي صنعت الدافع الأول وراء اضطرار الإدارة إلى إجراء التحقيق، واستخلاص نتيجة هزيلة لا تصلح حتى لذرّ الرماد في العيون.
وإذا صحّ أن الرئيس الأمريكي كان بحاجة إلى هذه الخطوة الشكلية تمهيداً لزيارته الوشيكة إلى المنطقة، أمام الرأي العام بالطبع وليس تجاه غالبية مستضيفيه من زعماء المنطقة، فإن ملفات اغتيال أبو عاقلة لن يغلقها التحقيق الأمريكي الرسمي أو أي إجراء زائف مماثل، فالجريمة مكتملة الأركان ومن المحزن ألا تكون الاستهانة بالدم الفلسطيني هي عنصرها المحرك الأكثر أهمية، بل حقيقة كون أبو عاقلة مواطنة أمريكية أيضاً.
وفي طليعة مسؤوليات أسرة الشهيدة والمجتمع المدني الفلسطيني أن تشدد على البعد الفلسطيني خلف جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال، وأن اغتيال أبو عاقلة أخطر بكثير من مجرد وصمة عار جديدة.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: