الغرب فشل في حرب استنزاف روسيا في أوكرانيا، لأن الأخيرة عدلت من خططها لتفادي السقوط في فخ أفغانستان.
كانت مساحة أوكرانيا قبل الحرب 603 آلاف كيلومتر مربع، والآن أصبحت المساحة التابعة لكييف قرابة 420 ألف كيلومتر مربع.
لم يعد الجيش الروسي يهتم بالتقدم العسكري في أوكرانيا، بل بمساحات تصبح روسية أو تابعة لروسيا عبر كيانات مرتبطة به.
يتمركز الجيش الروسي في عدد من المناطق الحساسة في شرق البلاد، وهذا سيسمح له بالتقدم متى شاء إلى وسط البلاد وخلق واقع جديد.
يقترب الجيش الروسي من السيطرة على 30% من أراضي أوكرانيا قد تصبح تحت سيطرة روسيا للأبد وإذا استمرت الحرب قد تسيطر موسكو على نصف البلاد.
تجري تطورات حرب أوكرانيا مع استحالة إمكانية تغيير الغرب ميزان الحرب، نظرا لمحدودية الدعم المسلح للجيش الأوكراني وبسبب التفوق العسكري الروسي.
* * *
بقلم: حسين مجدوبي
يقترب الجيش الروسي من السيطرة على 30% من الأراضي الأوكرانية، وهي أراض قد تصبح مرتبطة بروسيا إلى الأبد. وتوجد مؤشرات إلى أنه إذا استمرت الحرب قد تسيطر موسكو على نصف البلاد.
تجري هذه التطورات في ظل استحالة إمكانية الدول الغربية تغيير ميزان الحرب، نظرا لمحدودية الدعم المسلح للجيش الأوكراني وبسبب التفوق العسكري الروسي.
وتفيد آخر التطورات الميدانية بسقوط مدينة ليسيتشانسك في يد القوات الموالية لروسيا، نهاية الأسبوع الماضي. وسقوط مدينة يعني السيطرة على الإقليم الذي توجد فيه والتحكم في شبكة الطرق التي تربطها بباقي المناطق.
وبعد مرور أربعة أشهر على حرب أوكرانيا، لم يعد الجيش الروسي يواجه القوات الأوكرانية في مجموع البلاد، بل ينهج استراتيجية مختلفة تقوم على ما يلي:
أولا، تجنب المواجهة مع القوات الأوكرانية، فهي لم تعد قوات تشكل خطرا على الوجود الروسي، ويكون التدخل فقط في الحالات الاستثنائية مثل، الهجمات عليها في حالة تقدمها ضد مواقع يعزز الروس فيها سيطرتهم، أو قصف قافلات عسكرية خاصة، إذا كانت تحمل أسلحة غربية. وقد دمر الجيش الروسي أكثر من 80% من البنية العسكرية الأوكرانية خاصة الجوية منها.
ثانيا، يعزز الجيش الروسي سيطرته على الأراضي التي يحصل عليها، لتصبح مناطق تابعة مباشرة لموسكو عبر الجمهوريات التي يخلقها مثل جمهورية لوغانسك ودونيتسك. وبالتالي، لم يعد يهتم بالتقدم العسكري في أوكرانيا، بل المساحات التي تصبح روسية أو تابعة لروسيا عبر كيانات مرتبطة به.
ثالثا، يتمركز الجيش الروسي في عدد من المناطق الحساسة في شرق البلاد، وهذا سيسمح له بالتقدم متى شاء إلى وسط البلاد وخلق واقع جديد.
وارتباطا بهذا، أصبحت روسيا تطبق أجندة عسكرية مختلفة عن تلك التي رسمتها في البدء، إذ تخوض معارك ومواجهات من أجل السيطرة على مناطق معينة، وإضافتها إلى الأراضي التي تمت السيطرة عليه.
وكانت الأجندة الأولى لموسكو هي التسبب في سقوط رئاسة زيلينسكي عبر انقلاب عسكري ثم دعم إقليم دونباس للاستقلال عن كييف، غير أنها تغيرت نحو ضم نسبة مهمة من الأراضي الأوكرانية.
وكانت رئاسة كييف قد اعترفت الشهر الماضي بسيطرة روسيا والقوات الانفصالية على 20% من أراضي أوكرانيا، وبعد شهر، ونتيجة التقدم الذي حققته القوات الروسية تكون هذه المساحة قد ارتفعت إلى 30% من الأراضي الأوكرانية التي أصبحت تحت السيطرة المباشرة للقوات الروسية.
وهناك مؤشرات قوية على تقدم القوات الروسية نحو العمق الأوكراني، إذا استمرت الحرب. ويتعاظم هذا الرهان بسبب ما تعتقده موسكو مخططا غربيا يجعل من أوكرانيا تحت الوصاية الغربية ويربطها بطريقة أو أخرى ببولندا.
وصرح مدير الاستخبارات الخارجية الروسية سيرجي نارسكين، وفق موقع سبوتنيك الروسي مؤخرا، أنه تجري عملية تفكيك أوكرانيا من طرف بولندا وبدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا. وعمليا، أصبحت كل المناطق الواقعة شرق نهر دنيبر الفاصل لأوكرانيا إلى قسمين تحت سيطرة روسيا المباشرة، أو غير المباشرة.
في غضون ذلك، تؤكد التطورات الميدانية للحرب أن الأسلحة الغربية التي يقدمها أعضاء الحلف الأطلسي لم تغير نهائيا من الأوضاع في الحرب الدائرة في أوكرانيا.
فمن جهة، أغلب الدول تقدم أسلحة محدودة للغاية وغير فعالة، لأنها تفتقد لمخزون كاف وتتخوف من تطور الحرب وامتدادها وتحتفظ بأسلحتها للسيناريو الأسوأ.
كما أن السلاح الأمريكي الذي يتميز بفعالية لا يصل إلى القوات الأوكرانية بالكامل نظرا للهجمات الجوية الروسية التي تستهدفه بمجرد وصوله إلى الأراضي الأوكرانية.
ومن جهة أخرى، مهما كان الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، لن يجدي في مواجهة الآلة العسكرية الروسية المعززة بأسلحة نوعية مثل مقاتلات سوخوي والصواريخ فرط صوتية والصواريخ الدقيقة مثل كاليبر وإسكندر.
لقد أصبح مصير ومستقبل أوكرانيا قاتما وتغيرت ملامحها بشكل كبير، إذ لم تعد أوكرانيا الأمس هي أوكرانيا اليوم. كانت مساحة البلاد قبل الحرب 603 آلاف كلم مربع، والآن أصبحت المساحة التابعة لكييف قرابة 420 ألف كلم مربع.
وكان سكانها 42 مليون نسمة، والآن أصبحت قرابة 30 مليونا بسبب انفصال ساكنة الشرق وهجرة الملايين نحو أوروبا. لقد فقدت نسبة مهمة من بنيتها الصناعية، وتعرضت بعض أجزاء من المدن للخراب.
وكلما امتدت الحرب، ستتغير أوكرانيا أكثر، ولم تعد تلك أوكرانيا التي حصلت على استقلالها وشكلها القانوني الجغرافي سنة 1991، تاريخ انفصالها عن الاتحاد السوفياتي الذي تفكك.
الغرب فشل في حرب استنزاف في أوكرانيا ضد روسيا، لأن الأخيرة عدلت من خططها لتفادي السقوط في فخ أفغانستان، ولن تساعد الأسلحة الغربية أوكرانيا على استعادة الأراضي التي فقدتها في هذه الحرب. فقد فقدت إقليم دونباس إلى الأبد، ولن ينخرط الغرب في حرب ضد روسيا، وهو يدرك أنها ستكون مدمرة لعدد من الدول الأوروبية بما فيها الكبرى.
ويحرص الغرب حاليا على تفادي امتداد الحرب إلى مناطق أوروبية أخرى، لأنه غير مهيأ لمواجهة حربية مع روسيا باستثناء في حالة اللجوء إلى السلاح النووي.
أصبحت أوكرانيا أمام امتحان صعب، إما أن تنهج البراغماتية السياسية وتعمل على إيقاف الحرب وفتح مفاوضات مع روسيا بكل استقلالية للحفاظ على ما تبقى من خريطتها السياسية، أو ستفقد الكثير من أراضيها بعدما فقدت 30% حتى الآن.
من خلال استراتيجيتها العسكرية في أوكرانيا، أي سياسة السيطرة على الأراضي، توجه موسكو رسالة واضحة الى الجمهوريات السوفياتية السابقة، بأن كل تهديد للأمن القومي لروسيا يعني قضم الخريطة السياسية، وبعدما أقدمت لتوانيا على منع مرور بعض البضائع من روسيا إلى الجيب الروسي كالينينغراد، كان جواب موسكو: هناك أراض روسية تحت سيطرة ليتوانيا يجب استعادتها، أي مقدمة لنزاع مستقبلا.
* د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: