روسيا والتصعيد الاستراتيجي الأمريكي

محمود زين الدين2 يوليو 2022آخر تحديث :
روسيا

من مدريد انطلقت المواجهة الأهم ضد روسيا بالأساس وبدرجة أقل ضد الصين، في قمة، أقل ما توصف به أنها «قمة أطلسية تاريخية».
عودة أمريكية قوية للتحالف مع أوروبا كحلفاء تاريخيين واستعادة المكانة الاستراتيجية لحلف الناتو كأولوية أمريكية.
تراجع التوجه الأوروبي لتأسيس «هوية أمنية أوروبية مستقلة عن الناتو والعودة مجددا للاحتماء بالمظلة العسكرية الأمريكية لمواجهة الخطر الروسي الجديد».
جوهر أجندة القمتين (قمة السبع الرأسمالية وقمة الناتو) وجود نية لدى بايدن ليبرهن لحلفائه أن «مقارعة روسيا والتصدي للصين هدفان متكاملان وغير متعارضين».
أعادت قمة الناتو النظر في الرؤى الاستراتيجية السابقة، خاصة التعامل مع روسيا باعتبارها «عدواً مؤكداً» والصين «عدواً محتملاً» بناء على نتائج حرب أوكرانيا.
كيف سيرد بوتين؟ هل بإعلان تحالف حقيقي مع الصين، ما يعني العودة مجدداً إلى نظام عالمي ثنائي القطبية ضمن حرب باردة جديدة ؟
نشاط أمريكي للحفاظ على الزعامة أمريكا للنظام العالمي بمواجهة روسيا والصين بتمتين التحالف الاقتصادي مع الرأسمالية العالمية عبر مجموعة السبع والتحالف الاستراتيجي لحلف الناتو.
* * *
أسبوع حافل من النشاط الأمريكي الذي يستهدف بالدرجة الأولى الحفاظ على الزعامة الأمريكية للنظام العالمي لمواجهة روسيا والصين عبر تمتين التحالف الأمريكي الاقتصادي مع القوى الرأسمالية العالمية عبر ما يُعرف ب «مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع»، وعبر تمتين التحالف الأمريكي الاستراتيجي من خلال الإطار الأوروأطلسى كما يجسده حلف شمال الأطلسي (الناتو).
فقد شارك الرئيس الأمريكي جو بايدن في قمة الدول الصناعية السبع التي استضافتها ألمانيا على مدى ثلاثة أيام بمنطقة شلوس إلماو (ولاية بافاريا) تم خلالها البحث في شؤون الجبهة الموحدة لقادة التكتل الرأسمالي العالمي (الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان) في مواجهة روسيا، وبحث أوضاع الاقتصاد العالمي المثيرة للقلق وخاصة الأزمة الغذائية العالمية باعتبارها إحدى نتائج وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
ومع انتهاء هذه القمة استضافت العاصمة الإسبانية مدريد، وعلى مدى ثلاثة أيام أيضاً قمة قادة الدول الثلاثين الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى قادة فنلندا والسويد ومجموعة من المسؤولين الذين دعوا إليها ومنهم من منطقة المحيط الهادئ بناء على رغبة أمريكية.
منسق التواصل الاستراتيجي في البيت الأبيض جون كيربي (المتحدث السابق باسم البنتاغون) اعتبر أن هذين الاجتماعين «يأتيان في توقيت مفصلي للتضامن عبر الأطلسي».
كان كيربى حريصاً على تأكيد جدية العزم الأمريكي على تمتين التحالفات الأمريكية، وقال في مؤتمر صحفي عقب وصوله إلى ألمانيا بصحبة الرئيس الأمريكي «ستشهدون بوضوح كيف أن نية الرئيس (بايدن) منذ البداية إنعاش تحالفاتنا وشراكاتنا مكنتنا من أن نكون على الموعد لكي تتم محاسبة روسيا».
لم يكتف كيربي بذلك لكنه كشف عن جوهر أجندة القمتين (القمة الرأسمالية والقمة الأطلسية الاستراتيجية) بحديثه عن وجود نية لدى بايدن لكي يبرهن لحلفائه أن «مقارعة روسيا والتصدي للصين هدفان متكاملان وغير متعارضين».
كان يمكن أن تمر هذه التصريحات باعتبارها «مجرد تصريحات»، لكن الأمور سارت فى مجرى أكثر جدية هذه المرة سواء في قمة الدول الصناعية السبع أو في قمة «الناتو».
ففي ختام قمة مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع تحدث المستشار الألماني أولاف شولتز بثقة بالنتائج التي تم التوصل إليها، وقال في مؤتمر صحفي إن نتائج تلك القمة «أظهرت القوة الكبرى للتحالفات الديمقراطية»، مشيراً إلى مشاركة دول أخرى بهذه القمة خاصة الهند وجنوب إفريقيا (شريكتا روسيا والصين في تجمع «بريكس») وإندونيسيا والأرجنتين والسنغال.
أي أن المقررات الصدامية مع روسيا والصين ستكون لها امتدادات عالمية أوسع، خاصة أن بيان هذه القمة تعهد بجعل روسيا «تدفع ثمناً باهظاً لغزوها أوكرانيا»، وفق ما أكده المستشار الألماني قائلاً: «يجب ألا نسمح لبوتين بأن ينتصر».
ومن مدريد انطلقت المواجهة الأهم ضد روسيا بالأساس وضد الصين أيضا وإن كان بدرجة أقل، فى قمة، أقل ما توصف به أنها «قمة أطلسية تاريخية».
فإذا كانت القمة الأطلسية التى استضافتها إسبانيا عام 1997، أي منذ خمسة وعشرين عاماً كانت «قمة تاريخية» على حد وصف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لأنها شهدت توسعة عضوية الحلف بضم أعضاء جدد من بلدان الشرق الأوروبي الأعضاء السابقين في حلف وارسو (السابق) فإن القمة التي اختتمت أعمالها أمس توصف أيضاً بأنها «قمة تاريخية» لأنها شهدت تبني «المفهوم الاستراتيجي الجديد» للحلف، الذي يعتبره بعض الخبراء أهم تحول في تاريخ الحلف منذ انطلاقه،
حيث تمت إعادة النظر في الرؤى الاستراتيجية السابقة، وخاصة التعامل مع روسيا باعتبارها «عدواً مؤكداً» ومع الصين باعتبارها «عدواً محتملاً» بناء على نتائج الحرب الدائرة الآن على الأرض الأوكرانية.
فالاستراتيجية الجديدة تضمنت تحديد أهداف الحلف ووظائفه الأساسية في الدفاع والأمن، وسرد التحديات الجديدة ومنها «سياسات القوة» لعدد من الدول، وما يسمى «الحرب الهجينة» (السيبرانية)، والتكامل بين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وملف الإرهاب والتهديدات القادمة من الجنوب: إفريقيا.
كما تتضمن الاستراتيجية الجديدة الرؤية الأطلسية في خطوطها العامة، وما يفترض أن يستتبعها من تغيرات على المستويين السياسي والدفاعي ليس فقط في مواجهة روسيا، بل أيضاً في مواجهة الصين رغم تحفظ أطراف أوروبية.
تحولات مهمة تكشف عن تطورين مهمين يعتبران من أهم نتائج وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
التطور الأول يعني العودة الأمريكية القوية للتحالف مع الأوروبيين كحلفاء تاريخيين واستعادة المكانة الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي كأولوية أمريكية على العكس من انقلابات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضد هذا الحلف.
التطور الثاني تراجع التوجه الأوروبي لتأسيس «هوية أمنية أوروبية مستقلة عن حلف شمال الأطلسي والعودة مجدداً للاحتماء بالمظلة العسكرية الأمريكية لمواجهة الخطر الروسي الجديد».
كيف سيرد بوتين؟ هل بإعلان تحالف حقيقي مع الصين، ما يعني العودة مجدداً إلى نظام عالمي ثنائي القطبية ضمن حرب باردة جديدة؟ سؤال مازال يبحث عن إجابة لم تتحدد معالمها بعد.

* د. محمد السعيد إدريس خبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام

المصدر: الخليج – الدوحة

موضوعات تهمك:

حرب أوكرانيا والتهديد النووي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة