في ضوء تقدير الموقف بإطالة الحرب، استعرض الطرفان ما يعدّان من أسلحة للشهور المقبلة.
طرفَا الصراع يشهران للعالم تحذيراتٍ باتت متكرّرة: الغرب يبدي مخاوف من أن الحرب تستمر لسنوات؛ روسيا تتوقع صراعاً قد يمتدّ أمداً طويلاً.
لم يبلغ أي من الطرفين أهدافَه، ولا يريان أفقاً أو معطيات كافية لإنهاء الحرب، لذا تراجع زخم المساعي للانتقال نحو التفاوض، رغم وجود مبادرات قيد الدرس والإنضاج.
كلّما بدا التسليح متطوراً وعالي الدقة، ارتقت روسيا بنوع الأسلحة المستخدمة لإخماد كل مقاومة في جبهات شرق أوكرانيا، أي أنها تتحكّم بميزان القوى نوعاً وعدداً.
أقر الناتو “مفهوماً استراتيجياً جديداً” يشمل زيادةَ نشر جنوده ودفاعاته العسكرية على طول حدوده بشرق أوروبا وأن يُظهر مزيداً من الاهتمام والاستعداد لتحرّكات الصين.
* * *
بقلم: عبدالوهاب بدرخان
بفارق يومين كان طرفَا الصراع الأوكراني العالمي يشهران للعالم تحذيراتٍ باتت متكرّرة: الغرب، أولاً، يبدي مخاوف من أن الحرب قد تستمر لسنوات. روسيا، ثانياً، تتوقع صراعاً قد يمتدّ أمداً طويلاً.
لذا دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى «عدم التخفيف من الدعم» لأوكرانيا «حتى لو كانت الأكلاف مرتفعة» ليس فقط في المساعدات العسكرية، «ولكن أيضاً بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية». أما رئيس الوزراء البريطاني فاستنتج بعد زيارة لكييف «الحاجة إلى الاستعداد لحرب طويلة».
على الجانب الآخر، اعتبر الكرملين، للمرة الأولى، أن التوتّر مع الدول الغربية «لن يشهد تراجعاً»، وقال الناطق باسمه: «لن نثق بالغرب مرّة أخرى». وفي ضوء هذا التقدير للموقف، استعرض الطرفان ما يعدّان من أسلحة للشهور المقبلة.
فتحدث الرئيس الروسي عن صاروخ «سارمات» طويل المدى سيدخل في خدمة قواته بنهاية السنة الحالية، فيما ركّزت المصادر الغربية على وصول صواريخ هيمارس الأميركية، وكذلك مدافع هاوتزر من دول أوروبية، إلى القوات الأوكرانية.
لم يبلغ أي من الطرفين أهدافَه، ولا يريان أفقاً أو معطيات كافية لإنهاء الحرب، لذا تراجع زخم المساعي للانتقال نحو التفاوض، رغم وجود مبادرات قيد الدرس والإنضاج، لكن كل طرف ينتظر الآخر، غير أن موسكو ليست بصدد وقف عملياتها العسكرية، ولا كييف تجد أن خسائرها تمنعها من مواصلة القتال.
فالتسليح المتدفق على أوكرانيا، وهي تطلب المزيد، لا ينفك يعزّز صمودها ويحاول إبقاء شيء من التكافؤ المفقود في ميزان القوى، كما يؤكّد تصميم الغرب على منع روسيا من تحقيق انتصار حاسم.
لكن كلّما بدا التسليح متطوراً وعالي الدقة، ارتقى الجانب الروسي بنوع الأسلحة التي يستخدمها من أجل إخماد كل مقاومة في جبهات الشرق الأوكراني، أي أنه يتحكّم بميزان القوى نوعاً وعدداً.
ووسط هذا السباق المحموم والمنهِك، انعقدت قمة حلف الناتو لتقرّ «مفهوماً استراتيجياً جديداً» يفترض أن يشمل من جهةٍ زيادةَ نشر جنوده ودفاعاته العسكرية على طول حدوده بشرق أوروبا، مع الحرص على عدم امتداد الحرب خارج أوكرانيا وأن يُظهر من جهة أخرى مزيداً من الاهتمام والاستعداد لتحرّكات الصين.
ورغم أن دول «الناتو» لا تجد خيارات أخرى غير الحفاظ على تضامنها وتماسكها، فإنها تبدو متلعثمةً في مواقفها إزاء حرب تنعكس على أوضاعها الداخلية وليس واضحاً مؤدّاها أو أفقها الزمني أو كيفية التعامل مع الوضع الاستراتيجي الذي سينبثق منها.
من الواضح أن الطرفين يضعان قواعد للتصعيد العسكري ويحاولان مراعاتها تحت سقوف ردعية. لكن الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب أصبحت متلازمةً مع المخاطر العسكرية، وبعدما تبيّن أن لا حلول جاهزة لها، فإنها فرضت نفسها أيضاً على جدول أعمال قمة الدول السبع التي تواصل الضغط على روسيا، فيما تواجه جميعاً تداعيات سياسية ظهرت وستظهر في الانتخابات (فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة.. إلخ)، إذ أن المجتمعات تعاني ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
وفي الوقت نفسه تزداد الإنذارات من انعكاس الحرب على الأمن الغذائي العالمي. ورغم أن الجانب الروسي لا يسلّط الضوء على صعوباته، بل يستخدمها لتأليب الرأي العام في الغرب على حكوماته (وقف شحنات الغاز الروسي إلى دول أوروبية)، إلا أن العقوبات الغربية باتت تؤثّر في وضعه المالي والاقتصادي وتتطلّب مزيداً من التعاون والتنسيق بين موسكو وبكين لتخفيف الأزمة. ولا يعني ذلك سوى أن الطرفين يديران إطالة الحرب بإرادتهما ولا يفكّران في إنهائها.
*عبد الوهاب بدرخان كاتب صحفي لبناني
المصدر: الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك: