تاريخ البشرية يمرّ بلحظة سياسية صعبة جداً، وقد يتطور الاختناق الدولي الحاصل إلى حرب كونية شاملة.
الصين ترى أن روسيا دافعت عن سيادتها وأمنها الاستراتيجي في أوكرانيا، وهي لا تعترف بأن الحرب عدوان أو احتلال.
منسوب التوتر الدولي على خلفية حرب أوكرانيا، وما يجري حول تايوان، بلغ حدودا قياسية، وأفرز خارطة أحلاف جديدة تصطف حولها القوى الدولية الكبرى.
ترى أمريكا أن الذين يدعمون بوتين يقفون بالجانب الخاطئ من التاريخ وأن الصين ما زالت على علاقة وطيدة بروسيا بعكس ما تعلنه عن حيادها في حرب أوكرانيا».
تعتبر أمريكا أن مساندة روسيا في حربها ضد أوكرانيا يقوّض الاستقرار الدولي ويُشرِّع فوضى العلاقات الدولية ومساندة الصين لروسيا أدت لإفلاتها من العقوبات.
* * *
بقلم: د. ناصر زيدان
العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بدأت تخرج من سياق تنظيم الخلاف الذي كان معتمداً منذ بداية عهد الرئيس بايدن. وأسهمت أزمة أوكرانيا في توتير العلاقة بين القطبين الكبيرين.
فواشنطن تريد من بكين المساهمة في الحصار الاقتصادي على روسيا، لكن الوقائع تُثبت أن الصين لم تعد محايدة، كما أعلنت عند بداية الحرب في فبراير الماضي.
بل إنها تقف إلى جانب روسيا في الحفاظ على أمنها وسيادتها، وفقاً لما أعلنه الرئيس الصيني شي جين بينغ في الاتصال الهاتفي الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي كلمته عبر الفيديو أمام المنتدى الاقتصادي في سان بطرسبورغ.
والاتصال الهاتفي الذي جرى بين شي وبوتين، الأربعاء الماضي، استدعى رداً أمريكياً، حيث أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية «أن الذين يدعمون بوتين يقفون على الجانب الخاطئ من التاريخ». وقال إن الصين «مازالت على علاقة وطيدة بروسيا على عكس ما تعلنه عن حيادها في حرب أوكرانيا».
مما لا شك فيه أن تاريخ البشرية يمرّ بلحظة سياسية صعبة جداً، وقد يتطور الاختناق الدولي الحاصل إلى حرب كونية شاملة. وبابا الفاتيكان فرنسيس، رأى أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل، وربما هناك مّن خطط لافتعال أزمة أوكرانيا للوصول إلى حالة الحرب، كما قال البابا في حديثه لمجلة «لاسيلفتا كاتوليكا» الإيطالية.
بين الولايات المتحدة والصين خلافات كبيرة، قد تفوق الخلافات الحاصلة بينها وبين روسيا؛ ذلك أن التهديدات المتبادلة التي صدرت عن وزير دفاع الولايات المتحدة لويد أوستن، ونظيره الصيني وي فنغي، بعد اجتماعهما في سنغافورة مطلع فبراير، توضِّح صورة التأزّم الحاصل بين الطرفين.
فالأول قال: «إن واشنطن ستقف بقوة إلى جانب تايوان إذا ما تعرضت لهجوم عسكري صيني»، والثاني ردّ عليه: «إن الصين ستقاتل حتى النهاية من أجل منع استقلال تايوان».
البيان الذي صدر عن قمة الرئيسين شي وبوتين، التي حصلت على هامش دورة الألعاب الأولمبية مطلع شهر فبراير الماضي في الصين، أكد التعاون الاستراتيجي بين البلدين في مختلف المجالات، بما في ذلك الإصرار على “مبدأ الصين الواحدة” بما فيها تايوان، من دون أن يصل الأمر إلى الإعلان عن تحالف عسكري.
والرئيس الأمريكي جو بايدن، غمز من قناة المناورات الروسية الصينية التي حصلت قرب جزيرة تايوان، إبان زيارته إلى اليابان وكوريا الجنوبية بين 20 و23 مايو الماضي، واعتبرها «استفزازية وتهدد الاستقرار في المنطقة».
من الواضح أن منسوب التوتر الدولي على خلفية حرب أوكرانيا، وحول ما يجري في تايوان، ارتفع إلى حدود قياسية، وأفرز خارطة أحلاف جديدة تصطف حولها القوى الدولية الكبرى. فالولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الأوروبيون من جهة، وروسيا والصين وحلفاؤهم من جهة ثانية.
وما يؤكد واقعة الاستقطاب الدولي العمودي، دعوة اليابان وكوريا الجنوبية لحضور قمة حلف شمال الأطلسي التي ستعقد في إسبانيا في 28 من يونيو، وهي المرة الأولى التي تحضر فيها اليابان مثل هذه القمة منذ تأسيس الحلف عام 1949، كما دُعيت السويد وفنلندا لحضور القمة أيضاً.
التوتر بين اليابان وحليفتها كوريا الجنوبية من جهة، وكوريا الشمالية من جهة ثانية، يكاد يُسبب نزاعاً في أي لحظة، وبيونغ يانغ تجري تدريبات على إطلاق الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وتستعد للقيام بتجارب نووية، ولا تكترث للتحذيرات الأمريكية.
وهي لا تخشى بكين وموسكو، والعاصمتان لا تقومان بأي إجراء رادع ضد كوريا الشمالية، رغم اعتراضهما على تمردها على القرارات الدولية، والوقائع تؤكد أن كوريا الشمالية ستكون ضمن حلف دولي يضمها مع روسيا والصين إذا ما تطورت الأوضاع نحو الأسوأ.
مَن يقف على الجانب الخاطئ من التاريخ؟ المسألة تحتاج إلى تدقيق.
فالصين ترى أن روسيا دافعت عن سيادتها وأمنها الاستراتيجي في أوكرانيا، وهي لا تعترف بأن الحرب عدوان أو احتلال، ومنسوب التبادل التجاري لا سيما في مجال النفط والغاز تطور إلى مستوى كبير بين البلدين منذ بداية الحرب.
بينما ترى واشنطن أن مساندة روسيا في حربها ضد أوكرانيا يسهم في تقويض الاستقرار الدولي، ويُشرِّع الفوضى في العلاقات الدولية، وتعتبر أن المساندة الصينية لروسيا، كانت العامل الأساسي الذي أدى إلى التملّص من العقوبات الاقتصادية عليها.
من الواضح أن الوقوف إلى جانب خيار تخفيف التوتر، وطلب حل النزاعات بالحوار وبالطرق السلمية كما يؤكد ميثاق الأمم المتحدة، هو الخيار الصحيح الذي يُجنِّب البشرية ويلات جديدة.
* د. ناصر زيدان أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بالجامعة اللبنانية.
المصدر: الخليج – الدوحة
موضوعات تهمك: