على رغم الطريق المسدود في فيينا، إلا أن، لا الولايات المتحدة ولا إيران، على استعداد للإعلان عن نهاية المفاوضات. ومرد ذلك، على ما يبدو أن كلاً من الجانبين يتهيب الانعكاسات التي ستلي الإعلان عن انهيار المحادثات وسلوك طريق المواجهة مجدداً.
وفي وقت تحتدم الحرب الروسية – الأوكرانية ويتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين في تايوان وبحر الصين الجنوبي، وتتأزم الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية على ضوء التجارب الصاروخية المتبادلة واستعداد بيونغ يانغ لتجربة نووية وشيكة، تفضل واشنطن أن لا تفتح جبهة أخرى في الشرق الأوسط.
السبيل الأقصر إلى تجنب أزمة كبرى في المنطقة، هو عبر التوصل إلى صيغة في فيينا تعيد إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي يبقى الأداة الأفضل للحؤول دون حصول طهران على قنبلة نووية.
أما البديل عن الاتفاق، فإن من شأنه أن يدخل الشرق الأوسط في متاهات جديدة من التوتر، الذي يمكن أن يفضي إلى حرب شاملة، لا شيء يضمن بقاء الولايات المتحدة بمنأى عنها. وعلاوة على ذلك، لن يكون سلوك الخيار العسكري كفيلاً بعدم مضي طهران في برنامجها النووي وصولاً إلى الحصول على القنبلة
إن الانفجار الشامل في الشرق الأوسط لن يكون في مصلحة أي من الأطراف، وقد يقود أميركا إلى التورط في حرب جديدة بالمنطقة، بينما هي في ذروة انشغالها بكيفية إلحاق الهزيمة بروسيا في أوكرانيا وربما أبعد من ذلك، وفي كيفية احتواء الصين وردعها عن التفكير في غزو تايوان.
وفي الوقت نفسه، لا تخدم خيارات التصعيد إيران، بينما من شأن التوصل إلى اتفاق في فيينا، أن يوفر لها مكاسب اقتصادية في وقت هي في أشد الحاجة إليها مع اشتداد الاحتجاجات في داخل إيران على الغلاء وتفاقم الأوضاع المعيشية، وذلك على رغم أن مبيعاتها من النفط إلى الصين قد زادت بنسبة كبيرة. لكن ما يبحث عنه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هو تحقيق انتعاش ملموس في حال رفع العقوبات وعودة الاستثمارات الأجنبية إلى إيران.
ذلك لن يتحقق إلا إذا كانت العلاقات الإقليمية مستقرة، ومضت مسألة الحوار السعودي – الإيراني في طريق سلس، وصمدت الهدنة في اليمن، وتمكن العراق من تأليف حكومة بعد مضي 8 أشهر على الانتخابات التشريعية.
لهذه الأسباب الآنفة، من مصلحة واشنطن وطهران تجاوز الكثير من العقبات وتقديم تنازلات مؤلمة من الجانبين في سبيل التوصل إلى اتفاق في فيينا. وفي حال تحقق هذا الأمر، فإنه سيرخي بمناخاته الإيجابية على الوضع الإقليمي برمته، ويفتح الآفاق أمام تسويات لكثير من الملفات المأزومة من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن.
ربما لهذه الأسباب، تتروى واشنطن وطهران في إعلان انهيار فيينا، وتتمسكان ببقية من أمل في أن تفتح ثغرة في جدار الجمود، الذي يسيطر على المفاوضات منذ الأول من آذار (مارس) الماضي.
إن سلوك طريقٍ معاكس سيكون أصعب بكثير على كلٍ من واشنطن وطهران، وستدفع أميركا وإيران ودول أخرى في المنطقة ثمناً باهظاً لتجدد المواجهة الأميركية – الإيرانية. إن الفترة التي تلت انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، أعادت إحياء التوترات الإقليمية وساهمت بالشلل السياسي الذي يضرب لبنان والعراق وأعاقت التوصل إلى تسوية في اليمن.
إن البدائل من العودة إلى الاتفاق النووي، ستكون حتماً خيارات صعبة على الجميع وفي مقدمهم الولايات المتحدة وإيران. والمناخ الدولي الآخذ في التصعيد، لا يساعد إطلاقاً في لجم تصعيد آخر على الجبهة الشرق أوسطية.
ولذا الأنظار تتركز على الجولة المزمعة للرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة، والتي سيكون الاتفاق النووي مع إيران أحد أهم بنودها.
المصدر: النهار
موضوعات تهمك: