عن الحضور الطاغي لقضية خاشقجي
- قضية لا صلة لها بمؤامرات بل بطبيعة القضية وحيثياتها وظروفها «ومكانها» وبشخصية المستهدف.
- تحضر بشاعة الجريمة وطريقة تنفيذها في قنصلية وبقدر كبير من الرعونة وبقدر أكبر من الوحشية.
- كان الرجل صوت الرفض لمسار يفصل بين التحديث وبين الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
- دخل جمال كل بيت في العالم وصار أيقونة، وبجانبه الشابة التي كان يُفترض أن يتزوجها خلال أيام.
- التاريخ عرف كثيرين كان لاعتقالهم أو استشهادهم تأثير أكبر من وجودهم الفعلي!
بقلم: ياسر الزعاترة
لم يستوعب كثيرون ذلك الحضور الطاغي لقضية جمال خاشقجي في ميدان السياسة والإعلام طوال الأسبوعين الماضيين، حيث لم يبقَ أحد في طول العالم وعرضه إلا وسمع بقصة الرجل.
لهذا السبب تورّط كثيرون في مربع المؤامرة، بالقول إن القصة مدبرة لاستهداف دولة بعينها، فيما ذهب آخرون نحو مقارنات معينة، مشيرين إلى مظالم لا تحصى تجاهلها العالم، والغرب على نحو خاص.
والحال أن القضية لا صلة لها أبداً بالتآمر ولا بالمؤامرات، بقدر صلتها بطبيعة القضية وحيثياتها وظروفها «ومكانها بكل تأكيد»، وبشخصية الرجل المستهدف، عليه رحمة الله.
القضية هي قضية استهداف رجل لم يكن سياسياً معارضاً، ولا قائد تنظيم مسلح، بل مجرد صحافي لا يملك غير قلمه ولسانه، الذي لا يقل أهمية هنا هو طبيعة الرجل، إذ إنه ليس صحافياً مغموراً، ولا شاباً مغامراً، بل هو صحافي مخضرم، كان على مرمى أيام من الستين من عمره.
وله تجارب مشهودة في الصحافة، مراسلاً ومحرراً ورئيس تحرير ومؤسس قناة إخبارية، وكتب باللغتين العربية والإنجليزية، وله صلات واسعة مع صحافيين كبار في دوائر لا تحصى على مستوى العالم.
وحين تضيف إلى ذلك طبيعته الشخصية، سيغدو الأمر أكثر إثارة، فهو إنسان رائع على المستوى الشخصي، يحبه كل من جلس معه، ويشعر بصدقه ومحبته للناس، وتسامحه مع الجميع.
في السياق أيضاً تحضر بشاعة الجريمة ومكان تنفيذها وطريقته، حيث تمت في قنصلية وبقدر كبير من الرعونة، وبقدر أكبر من الوحشية، حسبما تسرّب إلى الآن.
فيما كان يمكن تنفيذها بطرائق عديدة أخرى، إذا كان لا بد من التخلص من الرجل، وحتى لو قيل إن الهدف لم يكن القتل، بل الاختطاف، فإن الأمر لم يكن ينطوي على أي قدر من الذكاء أيضاً.
يُضاف إلى ذلك مجيء الجريمة في ظل حديث طويل عن زمن جديد، وطروحات جديدة، فيما كان الحال يمضي في اتجاه آخر على صعيد الحريات وحقوق الإنسان.
وكان الرجل هو صوت الرفض لهذا المسار الذي يفصل بين التحديث وبين الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي الإجمال، يمكن القول إن أهم ركن فيما جرى يتعلق بسطوة الصحافة، أو لنقل وسائل الإعلام، «يفسّر ذلك التعاطف الهائل مع الرجل في أوساط الصحافيين»، ومن ضمنها وسائل التواصل الاجتماعي.
فقد دخل جمال خاشقجي كل بيت على مستوى العالم، وصار أيقونة، وبجانبه تلك الشابة التي كان يُفترض أن يتزوجها خلال أيام.
ونحن في زمن لم يعد بوسع السياسي أياً كان أن يتجاهل سطوة وسائل الإعلام بكل أنواعها، وفي مقدمتها وسائل التواصل، ولن ينفعه بطبيعة الحال تجييش آلاف من الناس يمارسون الهجاء للآخرين وبأسماء مستعارة.
نفتح قوساً هنا، كي نشير إلى أن ردود الفعل التي خرجت رداً على جريمة اغتيال خاشقجي قد لا تُترجم إلى فعل سياسي بالضرورة، وقد حدث وربما يحدث لاحقاً بالنسبة لبعضها، لكن ذلك لا ينفي حجم الدوي الهائل الذي أحدثته الجريمة.
بقي القول، إن الاعتقال والموت يغيّبان الإنسان عن ساحة الفعل الحقيقي، لكن التاريخ عرف كثيرين كان لاعتقالهم أو موتهم – استشهادهم- تأثير أكبر من وجودهم العملي، وهذا ما كان في حالة الصديق جمال خاشقجي تقبله الله في الشهداء.
- ياسر الزعاترة كاتب صحفي أردني/ فلسطيني.
المصدر: «العرب» القطرية
السعودية، اغتيال خاشقجي، حقوق وحريات، إعلام، تحديث، ديمقراطية، التغييب،