علاقات روسيا بتركيا قد تتطور نحو الأفضل، فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا ومواقف ترتبط بملفات ساخنة خارج هذه الدائرة.
واشنطن لا تستسيغ توسُّع الدور التركي بسوريا إذا كان سيضر حلفاءها كقوات قسد الكردية وتخشى أن تستفيد روسيا من موقف تركيا لفك عزلتها الدولية.
روسيا المتضررة من توسع دور تركيا شمال وغرب سوريا لم تعترض على العملية التركية ولم تؤيدها ولا تريد توتير علاقاتها بتركيا بينما تهادن لأبعد الحدود.
إيجابية روسيا في التعامل مع سياسة تركيا لا ترتبط بتصدير قمح أوكرانيا لأسواق العالمية فقط، بل تخفي توجهات استراتيجية قد تصل حد التعاون في ملفات أخرى.
روسيا لها مصلحة في توسع التباين بين تركيا والناتو، وتجارب الماضي القريب أكدت استعداد أردوغان للتعاون معها، وهو نفذ صفقة شراء صواريخ «أس-400» الروسية دون أن يتأثر بمواقف حلفائه المعارضة للصفقة.
* * *
بقلم: ناصر زيدان
الممرات الآمنة والمناطق الآمنة، بها أهمية خاصة في العلاقات بين روسيا وتركيا، والدولتان تتشاركان في عدد من الملفات المهمة منذ القِدم، والمعابر المائية التركية التي تربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط؛ تُعتبر شرياناً رئيسياً للاقتصاد الروسي ولقواتها العسكرية، وهي تصلها مع المياه الدافئة.
وللبلدين صلات أخرى ذات أهمية استراتيجية على الساحة السورية، فهما يشرفان على المعابر الآمنة التي تصل إلى مناطق غير خاضعة للحكومة السورية في محافظة إدلب وفي شمال ريف حلب وعلى غالبية الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.
زيارة وزير خارجية روسيا سيرغي لا فروف الأخيرة إلى أنقرة، كانت بهدف التعاون لتأمين ممرات آمنة لشحنات القمح الأوكراني التي يحتاج إليها العالم لمواجهة أزمة غذاء مؤكدة، لكن المعلومات المُسربة من مصادر مختلفة تؤكد؛ أن المباحثات التي جرت بين الطرفين تناولت ملفات أخرى، إضافة للأزمة الأوكرانية.
ومن هذه الملفات؛ العملية التركية التي أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن تنفيذها على طول الحدود التركية السورية، لإقامة شريط حدودي بعمق 30 كلم داخل الأراضي السورية، يُبعد المنظمات الكردية المسلحة المعادية لتركيا عن حدودها.
ويؤمن إيواء قسم كبير من النازحين السوريين داخل هذا الشريط، لتخفيف ضغط المعارضة في تركيا على حزب العدالة والتنمية قبل انتخابات الصيف القادم، لأن هذه المعارضة تنتقد سياسة أردوغان في التعامل مع النازحين الذين ينافسون اليد العاملة التركية، ويساهمون باستنزاف الاقتصاد.
تركيا لعبت دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، واستضافت مباحثات بين وفدي الفريقين في إسطنبول في مارس الماضي، وهي على علاقة وطيدة مع الدولتين المتجابهتين، ولديها مصالح مشتركة كبيرة معهما، كما لروسيا وأوكرانيا مصالح لا يمكنهما تجاهلها مع تركيا.
ولأنقرة خصوصية دولية وإقليمية كونها عضواً في حلف «الناتو»، وتحتاج لموافقتها أي دولة تنوي الدخول في عضوية الحلف، وهي التي تحاول إيقاف عملية إدخال فنلندا والسويد رغم الإلحاح الأمريكي عليها لعدم الاعتراض.
وروسيا تغتبط لهذا الموقف التركي وتستفيد منه، وبالتالي فهي تشجع أنقرة على لعب دور مُتقدم في الملف الأوكراني، نظراً لتمايز دورها عن دور شركائها في الحلف.
موافقة روسيا على مواكبة القوات التركية لسفن شحن القمح الأوكرانية عبر الممرات البحرية الآمنة، بعد إزالة كييف للألغام من أمامها؛ يعطي أنقرة مكانة متقدمة في الصراع الجاري، ويُؤهلها للعب دور مستقبلي في تسوية النزاع.
لكن هذا الدور بدأ يثير غضب الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين، لأنهم يرغبون بأن تكون تركيا حليفاً لهم في صراعهم مع روسيا، وليس وسيطاً معها.
مجموعة من الأحداث والمواقف تساعد على الاعتقاد بأن العلاقات بين روسيا وتركيا قد تتطور نحو الأفضل، من هذه الأحداث ما يتعلق بالأزمة في أوكرانيا، ومنها مواقف ترتبط بملفات ساخنة خارج هذه الدائرة.
موقف الولايات المتحدة من العملية التركية في شمال سوريا؛ كان سلبياً، وأعلن المتحدث باسم الخارجية نيد برايس «أن العملية تهدد الاستقرار في المنطقة، وتعرض حياة الجنود الأمريكيين الموجودين شمال سوريا للخطر، وقد تؤدي لعودة الأعمال الإرهابية، خصوصاً إحياء نشاط منظمة داعش».
والواضح أن واشنطن لا تستسيغ توسُّع الدور التركي، لا سيما إذا كان هذا الدور سيؤدي إلى ضرب حلفائها مثل قوات سوريا الديمقراطية «قسد». وهي بالمقابل تخشى من أن تستفيد روسيا من موقف تركيا لفك عزلتها الدولية.
بالمقابل؛ فإن روسيا المتضررة من توسيع دور تركيا في شمال وغرب سوريا، لم تُبدِ اعتراضاً على الخطة التركية، كما لم تؤيدها. وهي ليست في صدد إعادة التوتر إلى العلاقات مع أنقرة في هذا التوقيت بالذات، وهي تهادن إلى أبعد الحدود.
الإيجابية الروسية في التعامل مع السياسة التركية لا ترتبط بموضوع تصدير القمح الأوكراني إلى الأسواق العالمية فقط، بل إنها تخفي توجهات استراتيجية قد تصل إلى حد التعاون في ملفات أخرى.
ولروسيا مصلحة في توسيع التباين بين أنقرة وحلفائها في الناتو، وتجارب الماضي القريب أكدت استعداد الرئيس رجب طيب أردوغان للتعاون معها، وهو نفذ صفقة شراء صواريخ «أس-400» الروسية، من دون أن يتأثر بمواقف حلفائه المعارضة للصفقة.
* د. ناصر زيدان أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي، باحث في الشؤون الدولية.
المصدر: الخليج – الدوحة
موضوعات تهمك: