المستفاد من تقرير التضخم السيئ في أوروبا أن هذه الأسعار بالتحديد لا سيطرة للرئيس بايدن عليها تقريبا، أو أي رئيس في الواقع.
ما الذي يستطيع بايدن فعله؟ اقتصاديا، الأهم هو تعهده ألا يعتمد على الاحتياطي الاتحادي، وأن يسمح له القيام بما يتعين عليه فعله لكبح تضخم الاقتصاد.
لا يتوافق مقياس التضخم بأوروبا تماما مع مؤشر أسعار المستهلك بأميركا، وحين نستخدم مقياساً مشابهاً، نجد أن التضخم في أميركا ارتفع أكثر بصفة عامة.
أوروبا تعاني مشكلة تضخم سيئة بدرجة تماثل ما لدينا أو أسوأ، رغم أن البعض يجادل بأن مشكلة التضخم في الولايات المتحدة أرسخ قدما من مشكلة أوروبا.
يتعين على الديمقراطيين خوض السباق الانتخابي استناداً للقضايا الاجتماعية وضد تهديد يشكله الحزب الجمهوري على الديمقراطية والقيم الأميركية الأساسية.
* * *
بقلم: بول كروغمان
أصدرت وكالة الإحصاء الأوروبية «يوروستات»، في الأيام القليلة الماضية، تقديرا أوليا للتضخم في منطقة اليورو لشهر مايو.
وجاء التقدير مفاجئا، فقد زاد 8.1% عن العام السابق الذي بلغ فيه التضخم 0.8%- بواقع 10% بالمعدل السنوي للشهر. ولا يتوافق مقياس التضخم المفضل في أوروبا تماما مع مؤشر أسعار المستهلك في أميركا، وحين نستخدم مقياساً مشابهاً، نجد أن التضخم في الولايات المتحدة ارتفع أكثر بصفة عامة.
لكن أخبار التضخم الأوروبي السيئة تأتي في أعقاب أخبار أميركية متواضعة الجودة أو على الأقل أفضل، ولذا في هذه المرحلة، يمكن الدفع بأن أوروبا تعاني من مشكلة تضخم سيئة بالدرجة نفسها التي لدينا أو أسوأ مما لدينا. صحيح أن بعض الاقتصاديين يجادلون بأن مشكلة التضخم في الولايات المتحدة أرسخ قدما من مشكلة أوروبا.
لكن أود أن أوضح أن الناخبين لا يكترثون لتقديرات الاقتصاديين للتضخم الأساسي بل يهتمون في المقام الأول بأسعار السلع الأساسية التي يشترونها بشكل منتظم. أي أن الناخبين يهتمون بارتفاع أسعار الغاز والطعام أكثر من اهتمامهم بتعقيدات التحليلات الاقتصادية.
لكن الدرس المستفاد من تقرير التضخم السيئ في أوروبا هو أن هذه الأسعار بالتحديد لا سيطرة للرئيس جو بايدن عليها تقريبا، أو أي رئيس في الواقع.
لنأخذ مثال أسعار بيع الوقود، فقد ارتفعت في الولايات المتحدة أكثر من الضعفين في عهد بايدن. وقياساً على الأسبوع الماضي، ارتفع سعر البنزين نحو 2.40 دولار للجالون عما كانت عليه في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2020.
لكن أسعار البنزين ارتفعت في أوروبا بالقدر نفسه تقريبا. فبعد تحويل اللترات إلى جالونات واليورو إلى دولار، وجدت أن أسعار البيع في محطات التزود بالوقود في ألمانيا ارتفعت 2.80 دولار للجالون في الفترة نفسها.
وهذا الارتفاع الشائع في الأسعار ليس من قبيل الصدفة. فالنفط يجري تداوله في الأسواق العالمية، ولذا ارتفع سعره بالقدر نفسه تقريبا في كل مكان. وينطبق الشيء نفسه على المواد الغذائية الرئيسية.
ومن ثم، حين يقول الناس إن الغاز والطعام كانا أقل ثمنا حين كان ترامب رئيسا، فما الذي يتخيلون أنه كان بوسعه أو يعتزم القيام به لإبقاء أسعارهما منخفضة، لو ظل محتفظا بالمنصب؟ ربما لم يكن ليؤيد أوكرانيا، وربما دعم ضمنيا بوتين.
ولو كان العلم الروسي يرفرف فوق كييف الآن، لكانت أسعار الوقود والمواد الغذائية العالمية أقل قليلا مما هي عليه الآن. لكني لا أعتقد أن تحقيق معدلات تضخم أقل على حساب حرية أوكرانيا هو ما يفكر فيه أنصار ترامب.
هل هذا يعني أن بايدن وصناع السياسة الأميركيين لا يتحملون أي مسؤولية عن التضخم؟ لا، صحيح أن جانبا كبيرا من التضخم يعكس الصدمات العالمية للطاقة والغذاء، بالإضافة إلى الاضطرابات المرتبطة بالجائحة. فمن كان يتخيل أن تلعب أسعار السيارات المستعملة مثل هذا الدور المهم؟ ومن المحتمل أن يتراوح معدل التضخم السنوي الأساسي في أميركا بين 3.5% و4%، صعودا من النسبة المعتادة البالغة 2%.
وربما يعكس هذا التضخم الأساسي اقتصاداً يسير في حالة تضخمية غير قابلة للاستمرار، وهو ما يعكس بدوره جزئيا حزمة مالية ضخمة في بداية رئاسة بايدن وعدم إدراك الاحتياطي الاتحادي (وهو عدم الإدراك الذي شاركته فيه) للمشكلة مبكرا.
من ناحية أخرى، فالاقتصاد التضخمي ليس مقتصرا على الولايات المتحدة وحدها. صحيح أن بعض الاقتصاديين يعتقدون أن التضخم الأوروبي يرجع بالكامل تقريبا إلى الاضطرابات العابرة، وهو ما ظنه كثيرون، وأنا منهم، سبباً في ما حدث بالولايات المتحدة قبل عام.
وتشير قراءتي للبيانات الأوروبية الحديثة إلى أنها شهدت أيضا ارتفاعا في التضخم الأساسي، على الرغم من عدم اتباع أوروبا التوسع المالي الذي اتبعته الولايات المتحدة.
وحتى الأسعار الأوروبية، بعد استبعاد أسعار الطاقة والغذاء، ارتفعت 3.8% خلال العام الماضي. لكن الناخبين لن يعاقبوا «الديمقراطيين» على أي حال بسبب التضخم الأساسي. انهم غاضبون من أسعار البنزين والمواد الغذائية، وهي الأسعار التي لا يستطيع أي تحليل منطقي أن يدعي أنها خطأ بايدن.
فما الذي يستطيع بايدن فعله؟ من وجهة نظر اقتصادية، فأهم شيء هو تعهده ألا يعتمد على الاحتياطي الاتحادي، وأن يسمح للاحتياطي الاتحادي القيام بما يتعين عليه فعله لكبح تضخم الاقتصاد.
ماذا عن ملاحقة تلاعب الشركات بالأسعار؟ فأنا أكثر تعاطفا من معظم الاقتصاديين مع وجهة النظر التي يتبناها الجمهور على نطاق واسع ومفادها أن بعض الشركات تنتهز فرصة الزيادة في الأسعار على نطاق واسع لتعزز نفوذها الاحتكاري. ولا ضرر فيما أعتقد من عقد جلسات استماع بشأن التلاعب في الأسعار، ما دام أن الاحتياطي الاتحادي مسموح له بالقيام بعمله. لكن التلاعب ربما يكون عاملا صغيرا في التضخم الكلي.
فهل يجب على مسؤولي إدارة بايدن أن يشيروا إلى أن ارتفاع الأسعار الذي يزعج المستهلكين ظاهرة عالمية وليست نتيجة لسياسة الولايات المتحدة؟ نعم بالطبع، يجب عليهم ذلك، فهذه حقيقة على الأقل.
ويحدوني أمل أن يتحدث الإعلام عن النقطة نفسها. وربما يستطيع «الديمقراطيون» تخفيف الضرر الناجم عن التضخم، لكن من الناحية الواقعية، لن يتمكنوا من الفوز بالجدل بحلول نوفمبر.
ويتعين على «الديمقراطيين» حالياً خوض السباق استناداً إلى القضايا الاجتماعية وضد التهديد الذي يشكله الحزب «الجمهوري» الحديث على الديمقراطية والقيم الأميركية الأساسية.
* بول كروغمان أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.
المصدر: نيويورك تايمز
موضوعات تهمك: