إسرائيل أدخلت سفينة لإنتاج الغاز الطبيعي وتخزينه إلى حقل كاريش بالمنطقة البحرية المتنازع عليها مع لبنان.
خسر لبنان الرسمي ورقة تفاوض حاسمة كانت ستشكل مرتكزاً قانونياً للمطالبة بالحقوق السيادية في المنطقة البحرية المتنازع عليها.
تستغل القرصنة الإسرائيلية هرولة بعض الأنظمة العربية إلى التطبيع بحيث يصبح استثمار حقل كاريش ورقة ضغط مزدوجة الأغراض.
الخطوة الإسرائيلية اعتداء سافراً على سيادة لبنان وسطو صريح على ثروات البلاد، تستغل فيه دولة الاحتلال جملة عوامل لبنانية وإقليمية ودولية.
تأتي القرصنة الإسرائيلية على خلفية حاجة العالم إلى الغاز في ضوء تراجع أو تجميد إمدادات الغاز الروسي بسبب اجتياح اوكرانيا وما ارتبط به من عقوبات غربية.
الحكومة اللبنانية لم تلجأ منذ البدء لخيار التحكيم الدولي عبر محكمة العدل الدولية في لاهاي أولاً، والاحتكام إلى قوانين فض النزاعات حول الحدود البحرية.
* * *
أفادت الأنباء بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي أدخلت سفينة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه إلى المنطقة البحرية المتنازع عليها مع لبنان، وبالتالي باتت على مبعدة أسابيع قليلة من استثمار الحقل المعروف باسم كاريش والذي تعتبر الحكومة اللبنانية أنه يدخل في نطاق مفاوضات ترسيم الحدود، التي لم تُستكمل بعد رغم جولتي تفاوض سابقتين في خريف 2020 أسفرتا عن اتفاق إطار حول آليات التفاوض غير المباشر بوساطة أمريكية.
ومن الواضح أن هذه الخطوة الإسرائيلية تشكل اعتداء سافراً على سيادة الدولة اللبنانية وسطواً صريحاً على ثروات البلد، تستغل فيه دولة الاحتلال جملة من العوامل اللبنانية والإقليمية والدولية لفرض أمر واقع لا رجعة عنه، يحيل صيغة التفاوض إلى مجرد لقاءات جوفاء لا طائل من ورائها.
العامل الأول هو بالطبع ضعف السلطة اللبنانية واقترابها حثيثاً من حال الدولة الفاشلة أو المفلسة أو شبه المشلولة من حيث ممارسة السيادة وبسطها براً وبحراً وجواً، فضلاً عن المشكلات السياسية والاقتصادية والصحية والخدمية والمصرفية، التي تزيدها وطأة كارثة مرفأ بيروت واستعصاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وهيمنة حزب الله العسكرية والسياسية.
كذلك تستغل الخطوة الإسرائيلية هرولة بعض الأنظمة العربية إلى التطبيع، بحيث يتحول استثمار حقل كاريش إلى ورقة ضغط مزدوجة الأغراض، تدفع من جهة أولى إلى تشجيع مظاهر التطبيع حتى عبر مفاوضات غير مباشرة، كما تلوح من جهة ثانية بالمغريات المادية والمكاسب الاقتصادية والاستثمارية التي يمكن أن تنجم عن التعاون في ميدان استثمارات الطاقة.
كل هذا على خلفية حاجة العالم إلى الغاز في ضوء تراجع أو تجميد إمدادات الغاز الروسي بسبب اجتياح اوكرانيا وما ارتبط به من عقوبات.
اللوم في المقابل يقع بشدة على الحكومة اللبنانية عامة والرئيس اللبناني بصفة خاصة، نظراً لامتناع الأخير عن توقيع مرسوم تعديل الخط البحري 6433 ضمن مساعي المناورة مع الإدارة الأمريكية لتحقيق أغراض عائلية وحزبية تخص الرئيس، وبذلك فإن لبنان الرسمي قد خسر ورقة تفاوض حاسمة كانت ستشكل مرتكزاً قانونياً للمطالبة بالحقوق السيادية في المنطقة المتنازع عليها.
وليس خافياً أن تلك الحقوق لم تكن على رأس أولويات وزراء أو مسؤولين أو ساسة لبنانيين انشغلوا بصراعات شتى وانغمسوا في الفساد والمصالح الشخصية، بحيث صار التفريط في تلك الحقوق تحصيل حاصل.
كذلك تلام الحكومة اللبنانية لأنها لم تلجأ منذ البدء إلى خيار التحكيم الدولي عبر محكمة العدل الدولية في لاهاي أولاً، والاحتكام استطراداً إلى قوانين فض النزاعات حول الحدود البحرية، وفضلت الركون على الوساطة الأمريكية والتوهم بأن وجود وسطاء ذوي شأن من أمثال فردريك هوف ودافيد ساترفيلد ودافيد شنكر يمكن أن يضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ولعل الأسابيع القليلة المقبلة سوف تكشف المزيد من الحقائق حول مسؤولية الحكومة اللبنانية، وقد يتضح أن ما خفي كان أعظم بصدد قرصنة إسرائيلية كانت وشيكة ومعلنة، وعندها لن ينفع ندم على تقصير أو ندب على تبديد الثروات الوطنية.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: