الغريب أن الحاكم العربي يقدم قراراته على أنها “لصالح الشعب” رغم انه لم يسأل الشعب عن رأيه في الموضوع!
هناك جدار عال بين المجتمع والحاكم فلا يرى أي منهما الآخر، ويزداد هذا الجدار ارتفاعا بمقدار ما يكون الموضوع المطروح أكثر استراتيجية.
المعيار المركزي في العلاقة بين الحاكم والمجتمع درجة احترام الإرادة العامة ولعل المقياس الأهم لاحترام الإرادة العامة هو استخدام “الاستفتاءات الشعبية”.
يتعالى حكام العرب على شعوبهم بحجة “الجهل وعدم الوعي” أو عدم جاهزية الشعب للديمقراطية مع أن بعض الحكام العرب لا يكاد يحسن القراءة والكتابة.
هل هناك حاكم عربي اعترف بإسرائيل وأقام علاقات دبلوماسية أو طبَّع معها استفتى شعبه في الموضوع؟ لا أحد رغم أن الموضوع له ظلال اقتصادية وسياسية وقيمية.
هل هناك حاكم عربي سال شعبه عن أي موضوع استراتيجي في الاقتصاد أو السياسة بينما حكام آخرون في العالم يسألون شعوبهم إنْ كانوا يريدون التساحق؟
يستوجب الاستفتاء إدارة نزيهة، ونتائج ملزمة، دون منع من لا يرضى عن النتائج عن الاستمرار في طرح وجهة نظره المخالفة للنتائج شريطة التزامه باحترام إرادة الأغلبية.
هل هناك حاكم عربي احتكم لشعبه ليسأله مثلا: هل نفصل الدين عن الدولة أو نحدد دين الدولة أو نحدد طبيعة العلاقة بين الدين والدولة؟ رغم أن الموضوع يشغلنا منذ سقيفة بني ساعدة؟
* * *
سؤالي في هذه المقالة : كيف يتم قياس احترام الحاكم لشعبه ؟
ابدأ إجابتي باستبعاد الوعود والإفراط في التودد اللفظي للشعب، واستبعاد المشاركات الوجدانية المغرضة وتوظيف منظومة العادات والتقاليد والأعراف لخلق الانطباع بالمسافة القريبة بين الحاكم والمجتمع، لكني أرى أن المعيار المركزي في العلاقة بين الحاكم والمجتمع هو درجة احترامه للإرادة العامة، ولعل المقياس الأهم لاحترام الإرادة العامة هو استخدام ” الاستفتاءات الشعبية عند وضع التوجهات ” الاستراتيجية” للدولة او عند مواجهة الدولة خيارا جديدا ، وترك ما يتفرع عن ذلك للسلطة التشريعية.
لا أريد الدخول في جدل أكاديمي حول الفرق بين Plebiscite وReferendum، سواء من حيث طبيعة الموضوعات او الجهة التي تبادر بطلب الاستفتاء (أو الاستطلاع)، لكني أود الإشارة إلى أن أول استفتاء في العالم (بالمعنى المعاصر) كان عام 1640، وبلغ عدد الاستفتاءات في العالم حتى 2010 ما مجموعه 1430 استفتاء، بمعدل 3.9 استفتاء سنويا، كان 65% منها في الدول الغربية، بينما كانت المنطقة العربية هي الأقل عالميا وأسوأ حالا من إفريقيا التي جرى فيها 92 استفتاء.
والملفت للنظر في موضوعات هذه الاستفتاءات أن بعضا منها حول قضايا ليست بالهامة بالمقياس الاستراتيجي للدول، فمثلا بعض الدول تجري استفتاء على ممارسة السحاق أو الشذوذ أو التعامل مع أقلية معينة أو عرض فيلم معين، وصولا لاستفتاءات على الانفصال أو تعديل الدستور أو التحول من نظام سياسي إلى نمط جديد من الأنظمة إلى الدخول في حلف أو الانسحاب منه.
الاستفتاء سواء كان بمبادرة حكومية أو من قوى سياسية مجتمعية أو من قوائم من النخب أو شرائح اجتماعية فانه يعني الطلب من المجتمع تحديد الاختيار الأنسب لمواجهة قضية معينة، ونظرا للتعقيدات وتكاليف إجراء هذا النمط من الديمقراطية المباشرة، فإن المجتمعات الحية تمارس هذه الآلية الديمقراطية غالبا في الموضوعات الاستراتيجية وتحترم نتائج الاستفتاء، وعند ذلك تتجسد الإرادة العامة.
أعود للعالم العربي وأقول إن هناك جدارا عاليا بين المجتمع والحاكم فلا يرى اي منهما الآخر، ويزداد هذا الجدار ارتفاعا بمقدار ما يكون الموضوع المطروح اكثر استراتيجية، فمثلا هل هناك حاكم عربي ممن اعترف وأقام علاقات دبلوماسية أو طبَّع مع إسرائيل استفتى شعبه في الموضوع؟
لا أحد رغم أن الموضوع له ظلال على اقتصادياتنا وسياستنا وقيمنا وعلاقتنا الدولية وصولا لعلاقاتنا الثقافية مع العالم، وهل هناك حاكم عربي احتكم لشعبه ليسأله مثلا هل نفصل الدين عن الدولة أو نحدد دين الدولة أو نحدد طبيعة العلاقة بين الدين والدولة؟ رغم أن هذا هو الموضوع الذي يشغلنا منذ سقيفة بني ساعدة؟
وهل هناك حاكم عربي سال شعبه عن أي موضوع استراتيجي في الاقتصاد او السياسة بينما حكام آخرون في العالم يسألون شعوبهم إنْ كانوا يريدون التساحق أم لا؟ والغريب أن الحاكم العربي يقدم قراراته على أنها “لصالح الشعب” رغم انه لم يسأل الشعب عن رأيه في الموضوع.
ويستوجب الاستفتاء أدارة نزيهة، ونتائج ملزمة،دون منع من لا يرضى عن النتائج عن الاستمرار في طرح وجهة نظره المخالفة للنتائج شريطة التزامه باحترام إرادة الأغلبية.
ذلك يعني أن قياس وتقييم أي حاكم يجب أن يتم على أساس عدد مرات عودة الحاكم لشعبه ليسأله عن رأيه في موضوع استراتيجي ، ومدى التزامه بنتائج وإجابات الشعب أو التزامه بالإرادة العامة.
حكام العرب يتعالون على شعوبهم بحجة ” الجهل وعدم الوعي” أو بحجة عدم جاهزية الشعب للديمقراطية، مع أن بعض الحكام العرب بالكاد يستطيع القراءة والكتابة.
إني أطالب باستفتاء على قضايا كثيرة أولها الصراع العربي الإسرائيلي، وسأكون أول المدافعين عن أي نتيجة مخالفة لرأيي إذا كانت تمثل الإرادة العامة وبشهادة فريق مراقبة محايد ومشهود بنزاهته لا بشهادة “المتنبي”.
* د. وليد عبد الحي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة اليرموك، باحث في المستقبليات والاستشراف.
موضوعات تهمك: