حرب أوكرانيا تقع على القارة الأوروبية وتثير خوفاً من إمكانية أن تتمدد وتتوسع نحو الغرب.
الحروب لا تخاض أبداً لأجل القيم، وتتعلق دائماً بالمصالح. وادعاء عكس ذلك إنما يضر بمصداقية الغرب، المتضررة أصلاً.
ينبغي على الغرب التحلي بالصراحة والوضوح والاعتراف بأنه إن كان يرد على ما يحدث بهذه القوة، فلأن مصالحه في خطر.
هناك اختلاف وتفاوت في الانشغالات.. ففي نزاعات أخرى في العالم لا يظهر الغرب عن مثل هذا القدر من التقدير لمن يمثل الشعب الضحية.
لماذا يتصرف الغرب بمثل هذه العواطف القوية وبمثل هذه القوة في حالة أوكرانيا، بينما يتصرف بلامبالاة وعدم اكتراث وبضعف وفتور حينما يتعلق الأمر بنزاعات أخرى؟
* * *
بقلم: باسكال بونيفاس
في السابع عشر من مايو، يوم الافتتاح الرسمي لمهرجان «كان» السينمائي، ألقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي كلمة على نخبة عالم السينما التي اجتمعت من أجل هذه المناسبة. وكان زيلينسكي قد خاطب من قبل، عبر تقنية الاتصال المرئي أيضاً، معظم برلمانات الغرب، خطابات كان يتلقى خلالها، دائماً، ترحيباً حاراً جداً.
لا يحظى كل رؤساء البلدان التي تخوض حرباً أو كل زعماء الشعوب التي تعاني من حرب بحظوة وشرف مخاطبة نخبة العالم الدولي للثقافة أو برلمانات البلدان الغربية.
وبالتالي، فهناك اختلاف وتفاوت في الانشغالات. ذلك أنه في حالة نزاعات أخرى في العالم، لا يبين العالم الغربي عن مثل هذا القدر من التقدير للشخص الذي يمثل الشعب الضحية.
ولا شك أن حرب أوكرانيا هذه تنطوي على رهان الدفاع عن القيم وعن القانون الدولي إزاء الاعتداء على بلد وإزاء جرائم يتم ارتكابها، غير أن هذا لا يكفي لتفسير هذا الترحيب، وهذا التضامن،
وهذه العواطف الجياشة من أجل أوكرانيا، بينما تغيب أو تقل في حالة نزاعات أخرى تكون فيها انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان منتهَكة أيضاً.
فالشعب السوري الضحية أو شعب جنوب السودان، مثلا، لم يتلقوا القدر نفسه من الاهتمام، ومن التعاطف، ومن التضامن الذي تلقاه الشعب الأوكراني. وبالتالي، فإن القيم التي يدافع عنها الغربيون في دعمهم لأوكرانيا ليست المحرك أو الدافع الوحيد.
والواقع أنه ينبغي على الغربيين أن يتحلوا بالصراحة والوضوح والاعتراف بأنهم إن كانوا يردون على ما يحدث بهذه القوة، فلأن مصالحهم في خطر.
لكن لماذا يتصرف الغربيون بمثل هذه العواطف القوية وبمثل هذه القوة في حالة أوكرانيا، بينما يتصرفون بنوع من اللامبالاة وعدم الاكتراث النسبي وبمثل هذا الضعف والفتور حينما يتعلق الأمر بسوريا، أو بجنوب السودان، أو بنزاعات أخرى؟
السبب الأول ربما هو أن هذه الحرب تقع على القارة الأوروبية وتثير خوفاً من إمكانية أن تتمدد وتتوسع نحو الغرب. أما في حالة نزاع أبعد جغرافيا، فإن حساسية الأوروبيين تتقلص. إنه الشعار الشهير، الذي سمعناه كثيراً خلال هذه الأسابيع الأخيرة: «إن حرباً أهلية على بعد ساعتين عن باريس غير مقبولة».
ولكن هل تصبح غير مقبولة أيضاً إذا كانت على بعد أربع ساعات أو ثماني ساعات بالطائرة؟ كلا. ولهذا، من الضروري أن تكون لدينا الصراحة للحديث عن المصلحة وليس عن القيم فقط.
وهذا الأمر من شأنه أن يجعل تعبئة الغربيين من أجل أوكرانيا أكثر شرعية، وأقل نفاقاً، وأسهل على الشرح للبلدان الأخرى التي لا تملك إلا أن تعقد مقارنات بين الترحيب الذي يلقاه اللاجئون الأوكرانيون والاستقبال الذي يستقبل به اللاجئون القادمون من الشرق الأوسط أو أفريقيا، والفارون من حروب يتحمل فيها الغرب جزءاً من المسؤولية أصلاً.
بالطبع، فإن القيم المسماة بالكونية – حقوق الإنسان، حق الشعوب في تقرير مصيرها، سيادة الدول – تتعرض للانتهاك والازدراء، ولكن ذلك ليس سبب رد الغرب بهذه القوة والحزم.
وقد آن الأوان لوضع حد للتبريرات المنافقة التي لا يقبلها دائماً العالم غير الغربي أو يفهمها. وينبغي التحلي بالوضوح لإدراك أنها لا يُنظر إليها دائماً بتعاطف في أماكن أخرى من العالم.
فالحروب التي خاضها الغرب باسم الدفاع عن القيم وبهدف تصدير الديمقراطية لم تكن نجاحات باهرة، وهذا أقل ما يمكن أن يقال عنها. ثم إنها تركت آثاراً وندوباً. فالحروب لا تخاض أبداً من أجل القيم، وتتعلق دائماً بالمصالح. وادعاء عكس ذلك إنما يضر بمصداقية الغربيين، المتضررة أصلاً.
*باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.
المصدر: الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك: