أثارت لقطات لنعش شيرين أبو عاقلة وقد كاد أن يسقط على الأرض الشجب والصدمة حتى بين إسرائيليين.
الصحافية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، لم تكن إرهابية ولا معارضة لكن إسرائيل تعاملت مع جنازتها كتهديد لأمنها.
إسرائيل لا تأبه بدعوات ضبط النفس ولا تخشى تداعيات دبلوماسية ومع أنها لم تعاقب على أفعالها في جنازة شيرين أبو عاقلة لكن لن تمحى ذكريات التصرفات الوحشية فيها.
* * *
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لأنشال فوهرا تسالت فيه “لماذا تخاف إسرائيل من جنازات الفلسطينيين؟”.
وقالت فيه إن الصحافية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، لم تكن إرهابية ولا معارضة ولكن إسرائيل تعاملت مع جنازتها على انها تهديد لأمنها.
وقالت إن أنطون أبو عاقلة، شقيق الصحافية المعروفة ومراسلة قناة الجزيرة لأكثر من ربع قرن ركض من ضابط شرطة إسرائيلي لآخر يناشدهم التوقف عن ضرب حملة نعش شقيقته في القدس الشرقية، وكاد أن يُضرب من نفس الشرطة التي هاجمت حملة نعش الصحافية التي قتلت في جنين يوم الأربعاء 11 أيار/مايو عندما تغطي أحداث مداهمة القوات الإسرائيلية مخيم جنين للاجئين.
وتجمع عشرات الآلاف من الناس يوم 13 أيار/مايو لتذكر الصحافية المخضرمة التي أحدث قتلها شجبا دوليا. وتم تداول وبشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي في يوم قتلها فيما قال شهود عيان إن قناصا إسرائيليا أطلق النار عليها، في وقت اقترحت الحكومة الإسرائيلية أنها قتلت برصاص فلسطيني أثناء المواجهات مع المسلحين في المخيم.
إلا أن منظمة حقوق إنسان إسرائيلية وجدت أن المزاعم الإسرائيلية لا يمكن تصديقها، مما دفع الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن مزاعمها مع تأكيدها أنها لن تفتح تحقيقا في الجريمة.
كما وأثارت لقطات لنعش شيرين أبو عاقلة وقد كاد أن يسقط على الأرض الشجب والصدمة حتى بين إسرائيليين. وزعمت السلطات الإسرائيلية إن الشرطة تصرفت لصالح عائلتها، زاعمة أن حملته سرقوه، وبعد أيام من الجنازة اعتقلت الشرطة أحد حملته، رغم عدم تقديم المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية أي تفسير لاعتقاله.
ونفى أنطون أبو عاقلة المزاعم الإسرائيلية وقال إنهم كانوا يقومون بنقل النعش من المشرحة إلى سيارة نقل الموتى التي كانت تقف على بعد 100 قدم من المشرحة. وقال في تصريحات يوم الجمعة “في اللحظة التي خرجت فيها شيرين أبو عاقلة من المشرحة، في تلك اللحظة هاجمت الشرطة الإسرائيلية حملة النعش” و”لم أعرف ما أفعل في مواجهة هذه البربرية والاستخدام المفرط للقوة من الشرطة”.
وتعلق الكاتبة أن جنازات الرموز السياسية عادة ما تكون نقطة توتر في محاوف الحرب حول العالم. وبالنسبة لقوات الأمن، فهي تمثل مشكلة فرض النظام والقانون حيث تخشى السلطات من أن تتحول إلى تظاهرة وعنف أو تزيد من التجنيد للمتشددين. وتمثل الجنازات للجماعات المعادية فرصة لتوسيع جاذبية رسالتهم.
لكن شيرين أبو عاقلة لم تكن سياسية أو معارضة وبعد وفاتها تحولت الصحافية التي غطت النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى أيقونة فلسطينية. وتعاملت السلطات الإسرائيلية مع جنازتها وكأنها تهديد لأمنها. وتقول الصحافية إن الأسباب التي دعت الشرطة الإسرائيلية لتخريب الجنازة غير واضحة وإن كانت تخطط لتخريبها منذ البداية.
وحذرت الشرطة أنطون قبل دفنها من الهتافات الفلسطينية ومظهر العلم الفلسطيني، ويقول أنطون “أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي للهجوم” أي منع المظاهر الفلسطينية “كانت الشرطة تحاول نزع الأعلام من النعش”. وفي لقطات من جنازتها التي بثت على الهواء شوهدت الشرطة وهي تمزق هذه الأعلام وتأخذها من المشيعين.
وذكرت قناة الجزيرة في تغطيتها أن الشرطة اعتقلت مشيعين بسبب هتافات فلسطينية. وتقول فوهرا إن تصرفات إسرائيل في جنازة أبو عاقلة تكشف عن أنها كانت معنية بالأثر الدائم لجنازة أيقونة فلسطينية أكثر من التداعيات السلبية من جماعات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.
ونقلت عن عيران ليرمان، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق إن القوات الإسرائيلية تقلق من إمكانية العنف في جنازات الفلسطينيين و “كذلك الأثر الأوسع لتمجيد أعمال الإرهاب مثل الشهادة”، مع أن أيا من هذه ليس مرتبطا بجنازة أبو عاقلة.
وقال المبعوث الخاص السابق للشرق الأوسط دينس روس “في أثناء الانتفاضة الثانية استخدمت الجنازات العامة لتعبئة الجماهير الكبيرة وتغذية الغضب والعواطف التي تروج للعنف ضد إسرائيل”.
وشجب أعضاء المجتمع الدولي محاولات إسرائيل تخريب جنازة ابو عاقلة. وقال مسؤول السياسات الخارجية بالإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن الكتلة الأوروبية “فزعت” من المشاهد في الجنازة، فيما وصف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس المشاهد بأنها مثيرة للقلق. وفي بيان صحافي قال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن “نشعر بالقلق العظيم من مشاهد تدخل الشرطة الإسرائيلية جنازتها”. ولكن الطريقة التي تعاملت فيها إسرائيل مع جنازة أبو عاقلة لا تختلف عن الطريقة التي تعاملت فيها مع جنازات مسلحين من حماس، فبعد أيام من جنازتها تعرض المشيعون لجنازة وليد الشريف، 21 عاما للضرب.
وذكرت الصحافة الإسرائيلية أن حماس زعمت بأنه من عناصرها ومات متأثرا بجراحه التي تعرض لها أثناء المواجهات بين المحتجين الفلسطينيين عندما داهمت الشرطة المسحد الأقصى في الشهر الماضي. وبحسب استاذ العلوم السياسية في كلية ستونهيل أنور ماهجين فالقيود التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية على جنازة أبو عاقلة تشبه التي وضعتها على عائلات العرب في إسرائيل ممن قام أفرادها بعمل عسكري في مدينة الخضيرة في نهاية آذار/مارس “طلبت الشرطة من كل عائلة دفنهم في الساعات الأولى من الصباح الباكر وقيدت المشيعين بخمسين شخصا لكل جنازة” وطلب منهم عدم اطلاق شعارات تحريضية ولا أعلام وحتى جنازة رسمية.
وقال دروي سادوت، المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بيتسليم أن تصرفات الشرطة في جنازة أبو عاقلة كانت “مريعة” وفضحت “الملمح الروتيني الأوسع” للنهج الذي تمارسه الشرطة الإسرائيلية مع المشيعين الفلسطينيين لموتاهم.
وقال إن ما حدث في جنازة أبو عاقلة هو صورة عن الممارسات الإسرائيلية المتكررة والتي وثقتها المنظمة الإسرائيلية على مدى السنوات الماضية في جنازات الفلسطينيين، بما في ذلك هدم خيام العزاء وتدمير النصب التذكارية وتشويه الصور و“المداهمة العنيفة لبيوت العائلات التي تندب موتاها كما هو واضح في جنازة أبو عاقلة” حيث داهمت الشرطة بيتها بعد ساعات من مقتلها. وأكثر من هذا، فشيرين ليست الصحافية الفلسطينية الوحيدة التي قتلت في السنوات الأخيرة برصاص الجيسش الإسرائيلي.
وبحسب وزارة الإعلام الفلسطينية فقد قتل حوالي 45 صحافيا من عام 2000. وقتل يوسف أبو حسين، الذي كان يعمل بقناة تابعة لحماس في العام الماضي عندما قصفت إسرائيل بيته، وفي عام 2018 قتل أحمد أبو حسين وياسر مرتجي برصاص الإسرائيليين في غزة.
وبحسب لجنة حماية الصحافيين فقد قتل منذ عام 2016 حوالي 80 صحافيا حول العالم، برصاص الجيش أو بأمر من الحكومات. وأشهر قضية هي مقتل الصحافي جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين في إسطنبول وكذا مقتل لقمان سليم وسمير قصير في لبنان وهي قضايا لم تتحق العدالة فيها بعد.
إلا أن إسرائيل تظل الوحيدة التي لا تأبه بدعوات ضبط النفس وغير خائفة من التداعيات الدبلوماسية. ومع أنها لم تعاقب على أفعالها في جنازة شيرين أبو عاقلة، لكنها ستجد صعوبة في محو ذكريات التصرفات الوحشية فيها.
المصدر: فورين بوليسي
موضوعات تهمك: