سيعقد بايدن في طوكيو قمة لمجموعة “كواد” ويعلن عن الإطار الاقتصادي لاستراتيجية الهادئ والهندي.
إدارة بايدن لم تقدم أفكاراً كثيرة لمقاربة الملف الكوري الشمالي أو لخططها العسكرية إذا ما أقدمت الصين على غزو تايوان.
تطلب سيول من إدارة بايدن نشراً دائماً لـ”أسلحتها الاستراتيجية”، مثل الغواصات الحربية وحاملات الطائرات، في كوريا الجنوبية، وهو أمر مستبعد.
تدرك إدارة بايدن مدى هشاشتها إزاء فكّ الارتباط الاقتصادي بالصين وهناك شركاء في كوريا أو أميركا أقل إيمانا بفكّ الارتباط أو يرون فك ارتباط “ذكي وجزئي”.
* * *
توجه الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الخميس، إلى آسيا، في جولة هي الأولى له إلى القارة منذ توليه الرئاسة في فبراير/ شباط 2021. واختار بايدن كوريا الجنوبية واليابان محطتين فقط له خلال الزيارة، وذلك لتتويج أسبوعين من الدبلوماسية الأميركية النشطة حيال منطقة المحيطين الهندي والهادئ الاستراتيجية والتي أكدت الإدارة الأميركية الديمقراطية أنها تحظى بالأولوية لديها، في إشارة إلى مقاربة ملف احتواء نفوذ الصين المتنامي في المنطقة.
وتأتي الزيارة التي تستمر خمسة أيام، وتختتم بقمّة في طوكيو لتحالف “كواد”، الذي يجمع الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، بعد قمّة عقدها بايدن في البيت الأبيض في 12 مايو/ أيار الحالي. وجمعته القمة يومها بقادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، المؤلفة من 10 دول، من بينها تايلاند وماليزيا وفيتنام وإندونيسيا والفلبين وسنغافورة.
وبعكس عدد كبير من دول “الرابطة”، التي تضم أيضاً لاوس وبروناي وميانمار وكمبوديا، والتي تنتهج سياسة عدم الانحياز، أو تتوخى الحياد في مقاربة ملف الصراع الصيني – الأميركي (وحتى الروسي – الأميركي)، يحظى بايدن في اليابان بشريك يزداد “مثالية”.
كما أظهر الرئيس الكوري الجنوبي الجديد يون سوك يول، الكثير من المؤشرات التي تدل على إمكانية أميركية لتوسيع وتعزيز الشراكة مع سيول حيال ملفات المنطقة، وصولاً حتى إلى القبول بانضمام الأخيرة إلى تحالف “كواد”، ولو بصفة مراقب، وهي مسألة مطروحة حالياً.
وإذا كانت لبايدن نقاط قوة واضحة في الزيارة، بحسب ما ترى الإدارة الأميركية ومتابعون في واشنطن، فإن هناك أيضاً في المقابل نقاط ضعف. ولعل على رأسها أن إدارته لا تزال تدور حول نفسها في سياسة التعامل مع الصين، وسط غياب استراتيجية واضحة لإدارة الصراع، سوى مواصلة الاعتماد على تنويع وتعزيز الشراكات والتحالفات، ولو بنسب متفاوتة.
وتهدف الرحلة بشكل أو بآخر، إلى رسم خريطة واضحة لجميع هذه التحالفات، والتي حذّرت الصين من تداعياتها، والإعلان رسمياً، ولو متأخراً، عن “العودة الأميركية” للمنطقة، بعد عهد دونالد ترامب، تماماً كما فعل بايدن في أوروبا.
وبحسب مستشاري بايدن ومحلّلين عديدين، يحمل الرئيس الأميركي في أول زيارة له إلى آسيا، رسالة واضحة إلى الصين بأنها لا تزال في صلب استراتيجية البيت الأبيض الخارجية، على الرغم من الانشغال الأميركي بالحرب الروسية على أوكرانيا. وكانت إدارة بايدن قد سعت مراراً إلى إيصال هذه الرسالة، لا سيما من منطلق تحذير بكين بعدم السير على خطى موسكو، والذهاب إلى اجتياح تايوان.
زيارة بايدن لآسيا: احتواء الصين وملفات متفرعة
وإذا كان احتواء الصين هو العنوان الأبرز للزيارة، فإن بايدن سيناقش أيضاً ضمن أجندة جولته ملفات عدة أخرى، قد تكون متفرعة، وتندرج في إطار تعزيز الشراكة مع سيول وطوكيو لهذا الهدف. وينتظر أن يتم الإعلان من العاصمة اليابانية عن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي بمثابة المقاربة الأميركية الاقتصادية لاستراتيجيتها في المنطقة.
ويلتقي بايدن في كل من كوريا الجنوبية واليابان الرئيس الكوري الجنوبي الجديد يون سوك يول، الذي خلف مون جاي إن وأدى اليمين الدستورية في 10 مايو الحالي، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، كما من المقرر أن يلتقي في آخر يوم من الزيارة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي خلال قمّة “كواد”، بالإضافة إلى من ستؤول إليه رئاسة الحكومة المقبلة في أستراليا بعد انتخابات يوم السبت (على جميع مقاعد النواب، ونصف مقاعد الشيوخ)، بين رئيس الوزراء الحالي سكوت موريسون أو منافسه أنتوني ألبانيز.
ويتشارك كل من يون سوك يول وكيشيدا الكثير من القلق حيال الملفين الصيني والكوري الشمالي، مع مواصلة بيونغ يانغ اختباراتها الصاروخية والنووية منذ بداية العام الحالي.
وتتطلع سيول، تحت قيادة يون سوك يول، لشراكة أكبر مع الولايات المتحدة، ولتقوية “الردع الموسع” بمواجهة كوريا الشمالية، بحسب ما أكد مستشارو يون سوك يول لوكالة “رويترز”.
ويعني “الردع الموسع” القدرة العسكرية الأميركية، خصوصاً قوتها النووية، على ردع هجمات على حلفاء الولايات المتحدة، وهي مسألة جاءت في صلب حملة الرئيس الكوري الجنوبي خلال ترشحه.
سيول بين ردع موسع وأسلحة استراتيجية
وتهيمن مسألة “الردع الموسع” على السجال الأمني في سيول اليوم، وترى نسبة كبيرة من الكوريين الجنوبيين أن على بلادهم تطوير قدراتها النووية الخاصة. في موازاة ذلك، تواصل الولايات المتحدة منح كوريا الجنوبية مظلتها النووية منذ سحب أسلحتها النووية التكتيكية من شبه الجزيرة الكورية في 1991.
وتنشر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أكثر من 28 ألف جندي في كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى دبابات ومروحيات عسكرية وبطاريات مضادة للصواريخ، وأسلحة تقليدية أخرى. لكن سيول كانت قد تراجعت ثقتها بالحليف الأميركي في عهد ترامب، الذي طلب منها دفع مليارات الدولارات لدعم القوات الأميركية.
وكتب وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر في مذكراته التي نشرت الأسبوع الماضي، أن ترامب اقتراح مراراً سحب القوات الأميركية من شبه الجزيرة الكورية.
ولا تتضمن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين التعهد الأميركي بالإبقاء على “المظلة النووية”، فيما كان يون قد تراجع عن اقتراح خلال حملته لإعادة نشر أميركا أسلحتها النووية التكتيكية في شبه الجزيرة.
ومنذ ذلك الحين طلب من إدارة بايدن نشراً دائماً لـ”أسلحتها الاستراتيجية”، مثل الغواصات الحربية وحاملات الطائرات، وقاذفات الصورايخ في بلاده، وتضاف إلى ذلك إعادة “تطبيع” المناورات المشتركة، كما أعاد تفعيل مجموعة تشاور حول استراتيجية الردع الموسع مع واشنطن، لم تكن تجتمع منذ سنوات.
ويستبعد مراقبون أن تستجيب الولايات المتحدة لمسألة نشر الأسلحة الاستراتيجية، لكن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قال، أول من أمس الأربعاء، إن بلاده “مستعدة للقيام بتعديلات قصيرة وطويلة المدى لموقفها العسكري في كوريا الجنوبية للرد على أي استفزاز كوري شمالي”. كما يأمل بايدن بأن يشكل التهديد الكوري الشمالي سبباً لرأب الخلافات المزمنة بين سيول وطوكيو.
من جهتها، تتحضر اليابان للإعلان عن استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي، والتي ستتخذ فيها موقفاً عسكرياً أكثر تقدماً لجهة ردع الصين وكوريا الشمالية، لجهة احتمال زيادة الإنفاق العسكري أو تطوير أسلحة هجومية، بالإضافة إلى قضية تأمين أشباه المواصلات وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
واتخذت طوكيو بالفعل موقفاً متشدداً حيال روسيا، رداً على اجتياح أوكرانيا. علماً أن جزر الكوريل (أو جزر الشمال) الواقعة في المحيط الهادئ هي أيضاً موضع نزاع بين طوكيو وموسكو، كما تزداد المسألة التايوانية أهمية في الخطاب الأمني الياباني.
تحالف “كواد” وتوبيخ الهند
ويرغب بايدن، في طوكيو، في تسليط الضوء على تحالف “كواد” كأحد أعمدة سياسته لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكتحالف يعكس القوة العسكرية البحرية للدول الديمقراطية في المنطقة.
ويأتي ذلك رغم الخيبة التي شعرت بها واشنطن حيال الرد الهندي الفاتر على الغزو الروسي لأوكرانيا. في موازاة ذلك ستحاول إدارة بايدن استنهاض نيودلهي لاتخاذ موقف واضح وجدّي حيال الصين وما ترى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها استفزازات الصين في أكثر من مكان، ومنها في بحر الصين الجنوبي.
ولاستكمال خططه، سيطلق بايدن في اليابان الإطار الاقتصادي لاستراتيجية الهادئ والهندي، لتشجيع الحوار والاستثمار عبر القارات وبين دول المنطقة، في ما يتعلق بالتجارة وتمتين خطوط الإمداد بالإضافة إلى إجراءات أخرى تتعلق بالبنية التحتية ومحاربة الفساد وتخفيف الضرائب والتخلص من الكربون.
ويحاول بايدن أن يحلّ هذا الإطار، غير الملزم للدول الموقعة عليه، كبديل عن اتفاق الشراكة العابر للهادئ، الذي انسحب منه ترامب في عام 2017. لكن ما تريده دول عدة في المنطقة، وهو الوصول إلى ملايين المستهلكين الأميركيين (طالبت به دول “آسيان”)، لن يكون جزءاً من الصفقة.
تحذيرات صينية
وتدرك بكين، من جهتها، أهداف زيارة بايدن الآسيوية، في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا. وقال ليو بنغيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، لموقع “بوليتيكو”، إن الصين “تعارض إنشاء مواجهة في منطقة الهادئ – الهندي على أساس انفصالي أو بناء كتل معادية”.
من جهته، حثّ وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال مكالمة مع نظيره الكوري الجنوبي بارك جين، أجراها الإثنين الماضي، على “العمل لتجنب اندلاع حرب باردة جديدة، ورفض المواجهة بين المعسكرين”.
ووجه وانغ يي أيضاً تحذيرات مماثلة خلال اتصاله بنظيره الياباني يوشيماسا هاياشي، الأربعاء. في موازاة ذلك، اشتكى يانغ جيشي، مسؤول الدبلوماسية في الحزب الشيوعي الصيني، لمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان من أن واشنطن تسير “على الدرب الخاطئ” في ما خصّ قضية تايوان، وأن بلاده “ستتخذ موقفاً حازماً لحماية سيادتها ومصالحها الأمنية”.
لكن رسالة واشنطن حول الزيارة كانت صارمة، إذ قال سوليفان: “الرسالة التي نحاول إرسالها تتعلق برؤيتنا الثابتة حول ما يمكن أن يكون عليه العالم إذا وقفت الديمقرطيات والمجتمعات المفتوحة معاً لرسم قواعد الطريق لتحديد هندسة الأمن في المنطقة، ومن أجل تعزيز تحالفات تاريخية وقوية”. وأضاف: “نعتقد أن رسالتنا ستكون مسموعة في كل مكان، ونعتقد أنها ستكون مسموعة في بكين”.
وركز سوليفان على الشراكات التي يسعى بايدن إلى إرسائها أو تعزيزها، معتبراً أن العمل على صهر الشراكة الأطلسية والتحالف العابر للهادئ، سيكون “العلامة المميزة” لسياسته الخارجية.
وأضاف سوليفان: “نعتقد أن هذه الرحلة ستعرض بشكل كامل استراتيجية الرئيس بايدن لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبعد ذلك ستظهر بوضوح أن الولايات المتحدة يمكنها أن تقود العالم الحر في الرد على حرب روسيا في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه ترسم مساراً للقيادة الأميركية الفعّالة والقائمة على المبادئ والمشاركة في منطقة ستحدد الكثير من مستقبل القرن 21”.
ورأى سكوت كينيدي، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أنه رغم نقاط القوة التي يتمتع بها بايدن خلال هذه الزيارة، فإن الإدارة الأميركية تدرك مدى هشاشتها لجهة فكّ الارتباط الاقتصادي مع الصين، كما أشار إلى أن هناك شركاء في سيول أو واشنطن يؤمنون أقل بفكرة فكّ الارتباط، أو يتحدثون عن فك ارتباط “ذكي أو جزئي”.
كما تطرق إلى مسألة صمود سلاسل الإمداد، ومنها المتعلقة بأشباه الموصلات، والتي ترى دول عدة أن حمايتها تعني نقل جزء كبير من صناعتها إلى الولايات المتحدة، فيما ستعمل الصين أخيراً على محاولة الاستثمار في أي ثغرة ولو صغيرة بين هذه التحالفات.
فضلاً عن ذلك، فإن إدارة بايدن لم تقدم بعد الكثير من الأفكار لمقاربة الملف الكوري الشمالي (بايدن لن يزور المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين)، أو لخططها العسكرية إذا ما أقدمت الصين على غزو تايوان.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: