أطلقت حرب أوكرانيا وتوسع الناتو سلسلة من التفاعلات على شكل متوالية هندسية كان أحد محطاتها مفاوضات فيينا النووية.
كشف الاتحاد الأوروبي عن تقدم في استئناف المفاوضات النووية مع إيران إذ أن اتفاقًا مع إيران قد يضيف مليون برميل أخرى من إمدادات النفط إلى السوق.
الصين زادت وارداتها النفطية من روسيا وخفضت وارداتها من إيران، ما فتح الباب لدول أوروبا للاستعانة بنفط إيران لتعويض النقص المتوقع في واردات النفط الروسية.
واشنطن ما زالت تبحث في خياراتها لكبح جماح التضخم وزيادة الصادرات لأوروبا تعني أسعار نفط أعلى بأمريكا؛ ليرتفع التضخم وتفقد الفائدة المرتفعة أثرها.
إيران وقطر ملاذ أسواق أوروبا وأمريكا من التضخم، بل ملاذ روسيا الساعية لدور إيراني اكبر بسوريا يخفف أعباء قواتها، ويسمح بسحب مزيد منها إلى أوكرانيا.
حديث أوروبا عن انفراجة بالمفاوضات، وقرب الوصول لاتفاق في هذا السياق معقول جدا؛ فإيران على وشك تحقيق اختراق يخرجها من الاستهداف الاقتصادي المباشر.
تتأرجح السعودية بين الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط لتحقق فوائض اقتصادية وبين احتواء خصومها بإيران، وتحصيل ضمانات غربية في اليمن والبحر الأحمر والخليج العربي.
* * *
بقلم: حازم عياد
كشف الاتحاد الأوروبي عن إحراز تقدم في استئناف المفاوضات النووية مع إيران، في حين قال محللون إن اتفاقًا مع إيران قد يضيف مليون برميل أخرى من إمدادات النفط إلى السوق.
التقدم المعلن ارتبط بشكل كبير بارتفاع التوتر بين أوروبا وروسيا على خلفية إعلان تقديم فنلندا طلبا للانضمام إلى الناتو، مترافقا مع اقرار الكونغرس الأمريكي مساعدات بقيمة 40 مليار دولار لأوكرانيا.
لينعكس ذلك كله على شكل تخوفات أوروبية من قطع روسيا إمدادات الطاقة الغاز والكهرباء، مقابل تهديدات أوروبية بفرض مزيد من العقوبات على روسيا بحظر نفطي كامل؛ توترات بلغت ذروتها اليوم السبت بوقف موسكو إمداد فنلندا بالطاقة الكهربائية.
كما هو واضح، كم هائل من المعلومات والمتغيرات المتفاعلة يمكن ملاحظتها في الفقرة أعلاه، ومتغيرات تتفاعل بعنف وقوة في أوروبا وداخل منظومة الاقتصاد العالمي، متخذة مسارات متعددة.
فالصين زادت وارداتها النفطية من روسيا، مقابل خفض وارداتها من إيران، ما فتح الباب لدول أوروبا للاستعانة بنفط إيران لتعويض النقص المتوقع في واردات النفط الروسية التي أعدت روسيا لها بتوقيع مزيد من العقود الآجلة والعاجلة مع الصين لتوريد النفط إلى الأسواق الصينية التي تعمد لاستيراده وتخزينه بأسعار منافسة للنفط العربي.
متوالية هندسية سرعان ما ظهر أثرها في منطقة الخليج العربي؛ اذ دفعت دولا عربية إلى خفض سعر النفط المصدر إلى الأسواق الآسيوية لمواكبة التحولات الناجمة عن انخفاض الطلب الصيني في ظل الإغلاقات، والمنافسة القوية المتوقعة للنفط الروسي؛ فأوكرانيا وتوسع الناتو أطلق سلسلة من التفاعلات على شكل متوالية هندسية كان أحد محطاتها مفاوضات فيينا النووية.
العودة الى طاولة المفاوضات مع طهران في فيينا؛ أملًا بالوصول الى حل سريع ينقذ أوروبا والأسواق العالمية التي يتوقع أن تخسر 3 ملايين برميل نفط يوميا قادمة من روسيا نتيجة العقوبات الغربية، ما رفع أسعار الطاقة، لترتفع معها توقعات التضخم الذي عصف بأوروبا، متجاوزاً 8% وتفاقمها معدلات التضخم والفائدة العالية في أمريكا اذ قارب سعر غالون البنزين خمسة دولارات، في حين تجاوز سعر الديزل هذا الرقم؛ ما يجعل النفط الأمريكي ومشتقاته خيارا سيئا وبائسا لأوروبا وأمريكا معًا.
فواشنطن ما زالت تبحث في خياراتها لكبح جماح التضخم وارتفاع الاسعار، ومزيد من الصادرات إلى أوروبا ستعني أسعار نفط أعلى في أمريكا؛ ليرتفع معه التضخم؛ ولتفقد الفائدة المرتفعة أثرها المتوقع.
فوضى كبيرة تأمل دول أوروبا وأمريكا في التخفيف من آثارها ومعالجتها باللجوء إلى طهران التي استقبلت الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر الخميس الفائت.
فإيران وقطر ملاذ أسواق أوروبا وأمريكا التي تعاني التضخم، بل ملاذ روسيا التي تسعى إلى دور إيراني اكبر في سوريا يخفف من الاعباء على قواتها، ويسمح بسحب المزيد من جنودها في سوريا الى اوكرانيا.
حديث أوروبا ومفوضها جوزيب بوريل حول قرب انفراجة في المفاوضات، وقرب الوصول الى اتفاق في هذا السياق يعتبر معقولا جدا؛ فإيران على وشك تحقيق اختراق كبير يخرجها من دائرة الاستهداف الاقتصادي المباشر.
اتفاقٌ أحوج ما تكون إليه إيران في ظل أزمة اقتصادية ومجتمعية متفاقمة من جهة، لكنه ومن جهة أخرى سيكون فرصة ستُواجه بتحد كبير تقف على رأسه حكومة الاحتلال الإسرائيلي المأزومة، والفاقدة لتوازنها.
بجانب دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية التي تتأرجح بدورها بين الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط في تحقيق فوائض اقتصادية، وبين احتواء خصومها في إيران، والحصول على ضمانات غربية في اليمن وفي البحر الأحمر والخليج العربي.
ضماناتٌ عمدت أمريكا إلى توفيرها عبر طرح شراكة أمنية جديدة أطلق عليها قائد الأسطول الخامس وقائد قوات “السينتكوم” المنطقة المركزية في البحرين براد كوبر القوة البحرية المختلطة (153) لحفظ أمن البحر الاحمر وباب المندب وخليج عدن، والتي ستتولى قيادتها المملكة العربية السعودية نهاية الشهر القائم.
* حازم عياد كاتب وباحث سياسي
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك:
مخاوف غربية من «استراتيجية الانتصار»: واشنطن تقودنا إلى كارثة