سقوط مجمع أزوفستال يعني سيطرة روسيا على كامل المدينة
مدينة ماريوبول “دمرت بالكامل”، ولم يبق أمام روسيا سوى مجمع صناعة الصلب (آزوفستال) لإحكام سيطرتها عليها.
ماريوبول مهمة لروسيا لعزل أوكرانيا عن البحر الأسود المهم لصادرات القمح والمعادن، ولربط الأراضي التي تسيطر عليها روسيا شرق البلاد بالقرم.
ستتيح السيطرة على آزوفستال لروسيا اكتمال سيطرتها على ماريوبول التي كان ناهز سكانها 500 ألف نسمة قبل الحرب، ودمرها شهران من الحصار والقصف.
يخشى سكان ماريوبول أن تعترض موسكو الاتصالات ويبدون استياء لعدم سماح شركة فينيكيس بإجراء اتصالات مباشرة مع أوكرانيا أو بتتبع المستخدمين الاتصالات الواردة.
* * *
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الجمعة، إن مدينة ماريوبول “دمرت بالكامل”، وأنه لم يبق أمام روسيا سوى مجمع صناعة الصلب (آزوفستال) لإحكام سيطرتها عليها.
سئل زيلينسكي خلال مداخلة عبر الفيديو نظمتها مؤسسة شاتام هاوس للأبحاث في لندن حول ما يعنيه سقوط المدينة الاستراتيجية في الطرف الجنوبي من منطقة دونباس، حيث لم يبق تحت سيطرة كييف سوى مجمع الصلب، فأجاب: “عليكم أن تفهموا أن ماريوبول لن تسقط أبداً… لقد دمرت بالفعل، ولم يعد هناك أي بناء، فقد دُمّر كل شيء بالكامل”.
وأضاف الرئيس الأوكراني أنه لا يزال هناك “هذا المبنى الصغير، مجمع مصنع الصلب في آزوفستال، أو ما تبقى منه”.
ستتيح السيطرة على هذا المجمع لموسكو إعلان اكتمال سيطرتها على ماريوبول التي كان عدد سكانها يناهز 500 ألف نسمة قبل الحرب، ودمرها شهران من الحصار والقصف.
واتهمت كتيبة آزوف المتحصنة في آزوفستال القوات الروسية، اليوم الجمعة، باستهداف إحدى سياراتها المشاركة في عملية إجلاء المدنيين، ما أسفر عن مصرع مقاتل.
وتابع زيلينسكي: “يتم إجلاء الناس قدر ما نستطيع (…) إذا قتلوا (الروس) أشخاصاً يمكن مبادلتهم كأسرى حرب أو إطلاق سراحهم كمدنيين، أو مساعدتهم كجرحى مدنيين أو عسكريين، فلا أعتقد أنه يمكننا إجراء محادثات دبلوماسية بعد ذلك”.
وسبق لزيلينسكي أن حذّر من “نهاية المفاوضات” مع موسكو إذا ما أقدمت روسيا على “تصفية” آخر المقاتلين الأوكرانيين الموجودين في مجمع آزوفستال بمدينة ماريوبول، المحاصر من قبل القوات الروسية.
مأساة متفاقمة
وكان فيكتور زاروبين محظوظاً لتمكّنه من الهرب من ماريوبول قبل ستة أسابيع، لكنّه مع غياب التغطية الشبكية للهواتف المحمولة في المدينة المدمّرة، يتعذّر عليه الاستحصال على أي أنباء عن أقاربه الذين بقوا في المنطقة وبات مصيرهم مجهولاً.
وقال الطالب البالغ 22 عاماً لوكالة فرانس برس: “حاولت الاتصال بهم عبر تطبيقات مختلفة. وحاولت الوصول إليهم من خلال متطوعين”، لكن من دون جدوى.
وتساءل “ربما احترقت منازلهم؟ ربما لم يعد بحوزتهم هواتف؟”، آملاً أن يكونوا على قيد الحياة.
وقال مقيمون في ماريوبول قابلتهم “فرانس برس” إن التغطية الهاتفية في المدينة الساحلية الاستراتيجية التي دمّرتها القوات الروسية مقطوعة منذ الثاني من آذار/مارس، أي بعد نحو أسبوعين على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
مذّاك لم تعد بيد السكان سوى وسائل قليلة للتواصل في ما بينهم ومع باقي أنحاء العالم.
وتعرّضت المدينة لقصف عنيف ما اضطر السكان إلى التنقل من ملجأ لآخر بحثاً عن مناطق أكثر أماناً.
وفي لحظة معينة، اضطر زاروبين للمجازفة بالتعرض لقصف حين عبر المدينة لإبلاغ أحبائه بأنه انتقل إلى مكان آخر.
واستذكر زاروبين، خلال مقابلة هاتفية مع فرانس برس في الغرب الأوكراني حيث بات يقيم: “كنت أتوجه إلى منزل أقربائي وأدون عنواني على قصاصة ورق وأتركها عند باب المدخل أو مع أحد الجيران. هذه كانت الوسيلة لأتواصل معهم”.
ويمكن التقاط الإرسال في مواقع قليلة في المدينة، لكن حتى حين ينجح الأمر تكون نوعية الاتصال “رديئة للغاية”.
وبما يشبه المعجزة تمكّن زاروبين في 14 آذار/مارس من الاتصال بصديق أبلغه بوجود طريقة لمغادرة المدينة عبر أراض لا تزال تحت سيطرة جنود أوكرانيين.
في اليوم التالي، غادر زاروبين رفقة عائلته واثنين من أصدقائه. ومن حسن حظ شقيقه الأصغر أندري، الذي تعذّر على أفراد العائلة التواصل معه وإبلاغه بمغادرتهم، أنه تمكّن من مغادرة المدينة لوحده بعد يومين.
لكن صديقاً لأندري، اكتفى بالتعريف عنه باسم يفغين، قرر البقاء في ماريوبول في منزل عائلته مع ذويه. وبين الفينة والأخرى يتمكّن يفغين من التقاط إرسال وطمأنة صديقه على أنه بخير.
وتمكّن اندري مرّتين من التواصل مع يفغين عبر تطبيق تلغرام بفضل فينيكس، شركة محلية مشغلة لشبكة الهواتف المحمولة في أراضي منطقة دونيتسك الانفصالية التي يخوض مقاتلون فيها معارك مع كييف منذ العام 2014.
لكن سكان ماريوبول يخشون أن تعترض موسكو الاتصالات ويبدون استياء لعدم سماح شركة فنيكيس بإجراء اتصالات مباشرة مع أوكرانيا أو بتتبع المستخدمين الاتصالات الواردة.
وقال فاليري (60 عاماً)، وهو من سكان ماريوبول وكان قد توجّه إلى كييف في رحلة عمل قبل أيام قليلة من بدء الغزو، إنه أمضى 47 يوماً آملا سماع صوت زوجته. وتابع “إنها (التجربة) الأكثر صعوبة التي مررت بها”.
وقال فاليري الذي يستخدم بدوره اسما مستعارا لعدم كشف هويته، إن زوجته تم نقلها إلى روسيا. وتابع “لدي أمنية وحيدة: أن تنتهي الحرب لكي أتمكن من رؤيتها مجدداً”.
ويخشى أندري زاروبين أن يكون صديقه قد قضى.
وفي آخر تواصل بينه وبين يفغين كان الأخير يقف في طابور أمام مركز تحقيق يقول شهود إن قوات روسية أو موالية لروسيا تجريه لاستجواب سكان أوكرانيين بغية تحديد أولئك الذين لا يزالون يدينون بالولاء لكييف.
ورغم عدم وجود ما يربط يفغين بقوات أوكرانية، يخشى أندري أن تلصق بصديقه الذي انقطعت أخباره مذّاك تهمة التخريب أو أن يُجبر على الالتحاق بالجيش الروسي.
“يوم النصر”
وبحسب إحاطة استخباراتية يومية، تصدرها وزراة الدفاع البريطانية على “تويتر”، فإن روسيا تريد الاستيلاء على مدينة ماريوبول الساحلية ومصنع الصلب الضخم قبل الاحتفال بيوم النصر يوم الاثنين.
وقالت الوزراة: “إن الجهود المتجددة التي تبذلها روسيا لتأمين آزوفستال واستكمال الاستيلاء على ماريوبول مرتبطة على الأرجح بذكرى يوم النصر في 9 مايو/ أيار المقبل ورغبة بوتين في تحقيق نجاح رمزي في أوكرانيا”.
وأضافت: “لقد أتى هذا الجهد بتكلفة من الأفراد والمعدات والذخائر بالنسبة لروسيا. بينما تستمر المقاومة الأوكرانية في آزوفستال، ستستمر الخسائر الروسية في التراكم وإحباط خطط عملياتها في جنوب دونباس”.
يصادف يوم النصر انتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.
وكان مصنع الصلب في آزوفستال في ماريوبول مسرحًا لأسابيع من القتال. ويحظى المجمع الصناعي بشبكة واسعة من الملاجئ تحت الأرض لحماية المقاتلين والمدنيين من القصف الروسي، رغم أن الموقع تعرض للقصف بشكل متكرر بقنابل شديدة الانفجار.
وماريوبول مهمة لروسيا من أجل عزل أوكرانيا عن البحر الأسود المهم لصادرات القمح والمعادن، وكذلك لربط الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في شرق البلاد بشبه جزيرة القرم التي استولت عليها موسكو في عام 2014.
عمليات الإجلاء
ويوم الجمعة، أعلنت نائبة رئيس الحكومة الأوكرانية إيرينا فيريشتشوك إجلاء 50 مدنيًا ضمن قافلة جديدة الجمعة من مصنع آزوفستال، آخر جيب للمقاومة الأوكرانية في مدينة ماريوبول الساحلية التي تحاصرها القوات الروسية.
وقالت فيريشتشوك عبر تلغرام: “نجحنا اليوم في إخراج 50 امرأة وطفلا ومسنًّا من آزوفستال. صباح غد، سنواصل عملية الإجلاء”، متهّمةً القوات الروسية بانتهاك وقف إطلاق النار الحالي أثناء عمليات الإجلاء.
وكان زيلينسكي قد قال، أمس الخميس، إن مدنيين يحتاجون إلى الخروج من مخابئ محصنة تحت مصنع للصلب بمثابة آخر معقل للمقاومة في مدينة ماريوبول الأوكرانية، بعد قصف روسي أدى إلى تناثر ركام خرساني في المنطقة.
وبعد فشل روسيا في السيطرة على العاصمة كييف في الأسابيع الأولى من الحرب التي أودت بحياة الآلاف ودمرت المدن، كثفت هجماتها على شرق وجنوب أوكرانيا، بما في ذلك مصنع آزوفستال للصلب في ماريوبول.
وفي كلمة ألقاها أمس الخميس، قال زيلينسكي إن أوكرانيا جاهزة لتأمين وقف لإطلاق النار في ماريوبول، وهي مدينة ساحلية تسيطر عليها روسيا بعد حصار دام أسابيع، بصرف النظر عن مصنع الصلب.
وأجلت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر مئات الأشخاص من ماريوبول ومناطق أخرى هذا الأسبوع.
المصدر: وكالات
موضوعات تهمك: