ترقبت واشنطن خطاب بوتين وسط مخاوف من إعلانه التصعيد.
لم يسبق أن تراجع بوتين في خياراته العسكرية من غروزني إلى جورجيا، ثم شبه جزيرة القرم وسورية.
يُستبعد أن يعمل بوتين بقاعدة تقليل الخسائر بمواجهة تاريخية سبّبت تراجعات وازنة ارتبطت باسمه، مثل الانسحاب من ضواحي كييف وإغراق المدمرة موسكفا.
ماذا يريد بوتين؟ وهل يطمع بكل أوكرانيا أم بجزء منها؟ بتحييدها أم باستخدامها كمنصة عبور؟ أم بتوظيفها لجرّ الخصوم الكبار لمواجهة أبعد من أوكرانيا؟
نيات بوتين في أوكرانيا كانت وما زالت لغزًا. فقد تعمّد التمويه والالتباس لتحيير خصومه وإرباكهم والاحتفاظ بخط الرجعة فيما لو هبت الرياح بعكس ما تشتهي حربه.
يتوقع أن تراوح كلمة بوتين بين رفع السقف من خلال إعلان الحرب على أوكرانيا وروافد دعمها، وإعلان النصر فيها تمهيداً لطيّ صفحتها وتركها مفتوحة على حرب استنزاف طويلة.
معطيات ميدانية قد تحمل بوتين على إبراز وضع اليد على جنوب شرق أوكرانيا كمكسب حقق الغاية من الاجتياح ومخرج لوقف العمليات الحربية وشروط يتقدمها التزام أوكرانيا الحياد الدائم، كحالة النمسا.
* * *
الجميع في واشنطن انتظر خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة الاحتفال بيوم الانتصار السوفياتي على النازية في الحرب العالمية الثانية، حيث عرّج خلاله على الحرب في أوكرانيا.
الكل يتطلع إلى أجوبة أساسية مثل: ماذا يريد بوتين؟ وهل يطمع بكل أوكرانيا أم بجزء منها؟ بتحييدها أم باستخدامها كمنصة عبور؟ أم بتوظيفها لجرّ الخصوم الكبار إلى مواجهة أوسع وأبعد من أوكرانيا؟
نيات الرئيس بوتين في أوكرانيا كانت وما زالت أشبه باللغز. من البداية، تعمّد التمويه والالتباس لتحيير خصومه وإرباكهم، وربما للاحتفاظ بخط الرجعة فيما لو نفخت الرياح بعكس ما تشتهي سفينة حربه.
وفق التقييمات العسكرية الأميركية، لا تبدو هذه الرياح مواتية حتى الآن، بل إنها أوصلت الاجتياح إلى “هزيمة” انكشفت معها “أعطال” محرجة لسمعة روسيا وسلاحها وقواتها المسلحة.
على هذا الأساس، من المتوقع حسب التقديرات أن تراوح كلمة بوتين بين رفع السقف من خلال إعلان الحرب (بدلاً من العملية العسكرية) على أوكرانيا وروافد دعمها، وإعلان النصر فيها تمهيداً لطيّ صفحتها، مروراً بتكرار حيثياتها وتركها مفتوحة على حرب استنزاف طويلة.
أما الاحتمال الثاني، فكثر الحديث عنه من باب أن المعطيات الميدانية قد تحمل سيد الكرملين على إبراز وضع اليد على جنوب شرق أوكرانيا كمكسب حقق الغاية من الاجتياح، وبالتالي كمخرج لوقف العمليات الحربية من جانب موسكو، مع ربط ذلك بشروط يتقدمها التزام أوكرانيا الحياد الدائم، كحالة النمسا.
ويبدو أن السيناريو الثاني أقرب للتمني، إذ إن بوتين لم يسبق أن تراجع في خياراته العسكرية من غروزني إلى جورجيا، ثم شبه جزيرة القرم وسورية. والآن من المستبعد أن يعمل بقاعدة تقليل الخسائر في مواجهة تاريخية سبّبت تراجعات ونكسات وازنة ارتبطت باسمه، مثل الانسحاب من ضواحي كييف وإغراق المدمرة موسكفا.
والحال كذلك إذا كانت غاية الكرملين محصورة أصلاً بالساحة الأوكرانية، ففي التقدير أن يرسو بوتين على خيار حرب الاستنزاف المديدة، لكن الترجيح في المداولات يبقى لاحتمال رفع السقف والتصعيد.
فموسكو حسب القراءة السائدة في واشنطن، خططت من الأساس لحرب أبعد من ساحة أوكرانيا. وزير الخارجية سيرغي لافروف كان واضحاً في هذا الخصوص عندما قال إن “الحرب ليست على أوكرانيا، بل على النظام الدولي القائم”. وعادة ما يستوقف كلامه القليل المعنيين في واشنطن.
بعد ذلك، عاد الرئيس بوتين وأكد هذه النقطة، بقوله إن “ما يحدث حالياً، كسر لنظام القطب الواحد، وهذا هو المهم، بل هو أهم من الأحداث المأساوية التي تحصل”.
الإدارة الأميركية هي الأخرى تعاملت مع الاجتياح من هذه الزاوية. حزمة الدعم لأوكرانيا بـ33 مليار دولار، تبعها أمس 150 مليون دولار، و”الحبل على الجرار”.
ولعل ما يعكس ذلك ويؤكده عزم الإدارة الأميركية على “عدم السماح” لبوتين، كما قال الرئيس بايدن، بكسر المعادلة الدولية القائمة. الإدارة تتصرف على هذا الأساس.
ومن المؤشرات على تصرف واشنطن وفق ما سبق، أنها زودت كييف بمعلومات استخباراتية فائقة السرية “أدت إلى ضرب المدمرة الروسية، وقتل عدة جنرالات روس”، حسب ما تسرب إلى الإعلام في الأيام الأخيرة، وإلى الحد الذي أثار مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى حمل الكرملين على القيام برد قد يفتح باب الصدام المباشر بين واشنطن وموسكو وبما قد يخرج عن السيطرة. وهذا خطر قد يتفاقم إذا ما استمر هذا المسار.
كذلك تتردد الخشية من مواصلة دعم أوكرانيا وتصعيده، على قاعدة أن تهديدات بوتين باستخدام أسلحة الدمار ليست إلا “خدعة ” للتهويل. التخوف من أن يصبّ بوتين غداً الاثنين المزيد من الزيت على نار التصعيد المتبادل.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: